مقال لا تنقصه الصراحة … أ.د. أنيس الخصاونة: قراءة في كلام توفيق كريشان

372
أ.د أنيس الخصاونة ( الأردن ) – الأحد 18/10/2020 م …

الهجوم الذي تعرض له نائب رئيس الوزراء توفيق كريشان على خلفية الفيديو الذي قال فيه “غصب عن الدولة ان ترعاه وتعتني فيه مستندا الى ربعه وابناء قبيلته” هجوم ظالم ولا مبرر له .الرجل تحدث عن واقع صحيح وهو يعرف منطق الدولة والدليل على ذلك انه تقلد المناصب الكثيرة واخرها نائب رئيس وزراءفي حكومة دولة بشر الخصاونة.انا متاكد تماما انه لا دخل ولا علاقة من قريب او بعيد لبشر الخصاونة في تعيين السيد توفيق كريشان ،كما هو الحال في معظم الوزراء ،ولكن الاجهزة الرسمية والامنية تتجاوب مع المعطيات القبلية والمناطقيةوتحاول ضبط ايقاعها وتغلب البعد المتعلق بالمحافظة على الهدوء والاستقرار وامتصاص اي بؤر للمعارضة خصوصا في الواجهات العشائرية على اي بعد اخر متعلق بالديمقراطية والمشاركة والكفاءة والجدارة والعدالة .صحيح ان ما ورد في كلام كريشان فيه استقواء بالعشيرة والقبيلة على الدولة ودستورها واجهزتها ومؤسساتها وصحيح ان فيما اورده تحدي لسلطة الدولة وانتقاص من هيبتها لكن الرجل واقعي وصادق فيما ذهب اليه حيث تحدث عن المنطق الحقيقي والفعلي للدولة في رفع شأن زيد او خفض شأن عمر وهو بالتاكيد يعلم من التجربة ان الاعتداد بربعه واقاربه المحترمين يعطي اكله ويجلب المناصب والمواقع وغيرها. توفيق كريشان يعرف الدولة حق المعرفة ويعرف كيف تعمل وما الذي يحركها ويثيرها وهو ابن النظام وتشبع قيم السلطة فلا تظلموا الرجل ولا تلوموه لانه قال الحقيقة ،ولا تغرنكم تلك المصطلحات المقعرة عن الديمقراطيةوسيادة القانون ودولة القانون والمؤسسات والمواطنة والعدالة التي تتشدق بها رجالات السلطة والمستفيدين من الاوضاع الراهنة عبر وسائل الاعلام المختلفة ،فهي مصطلحات نظرية جوفاء ومظاهر شكلية وتجميلية للديمقراطية التي يتباهون فيها هدفها التزويق وتسويق الوضع الداخلي للعالم على انه ديمقراطي.توفيق كريشان يدرك ما يقول وهو رجل واقعي وصادق بما ذهب اليه من رعاية الدولة له “رغم انفها” وكما يقولون العين لا تكذب والصورة ابلغ من الكلام او كما يقولون بالانجليزية seeing is believing.
مشوار الاردن في الديمقراطية ما زال طويلا والحديث عن الاصلاح السياسي حديث يكاد يخلو من الصراحة والصدق في تناول الدولة واولي الامر فيها لقضايا محورية في بناء وتعزيز سيادة الدولة، وتقديم مصلحة الوطن والهوية الوطنية على مصالح الجغرافيا والقبيلة والعشيرة.علينا ابتداءا ان نتفق كاردنيين على ان المواطنة وليس العشيرة او القبيلة او المنشأ او العرق او المعتقد السياسي هي الاساس والمعيار للتعيينات والاختيار لمواقع المسئولية…علينا ان نتفق على ان الاداء وليس الاستجداء او الابتزاز او الاحتواء هي معايير العمل والسلوك الرسمي للدولة.
كلام الباشا توفيق كريشان كلام يردده العديد من الاردنيين مستندين الى ادعاءات عشائرية او جهوية او اقليمية.المؤسف ان اجهزتنا الرسمية والامنية تتعامل مع اتجاهات الاستقواء والتنمر والتهديد وتتجاوب معها واحيانا تلبيها مما يعمل على تجذيرها بكل ما تحمل من تداعيات لمستقبل دولة القانون والمؤسسات التي يدعو لها الملك باستمرار.
كلام السيد توفيق كريشان كلام مهم ويدق ناقوس الخطر وننصح اولي الامر بالتوقف عنده واعادت دراسته في مجلس السياسات الذي يتراسه الملك والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للوقوف على كيفية التعامل مع ظواهر الاستقواء على الدولة ومؤسساتها اذ انه ليس من المقنع ان نتعامل مع الافراد والجماعات التي تبتز الناس وتنتهك الحرمات وتكسر القوانين في الوقت الذي نغض الطرف عن الاستقواء بالعشيرة على الدولة فالفروق بين محتوى الحالتين هامشي وشكلي فهل من مدكر!!!

التعليقات مغلقة.