مقال هام جدا وعميق جدا … من جعل الارض للطوفان مشتاقة وكيف كٓثُرٓ الشر على ظهرها؟ من أعجز الحي عن الخير وكيف امْقٓرٓتْ أفعال سكانها؟ من سيغسلها من دٓرٓنٍ وكيف؟ / ديانا فاخوري
“والخيرُ مَحبوبٌ، ولكنّهُ | يعْجِزُ عَنهُ الحيُّ، أو يكسَل |
والأرضُ للطّوفانِ مُشتاقَةٌ، | لَعَلّها من دَرَنٍ تُغسَل |
قد كَثُرَ الشرُّ على ظَهرِها، | واتُّهِمَ المُرْسِلُ والمُرْسَل |
وأمْقَرَتْ أفعالُ سُكّانِها، | فهمْ ذِئابٌ في الفَضا عُسَّل” |
“هكذا “غرد” ابو العلاء المعري من شمال سوريا منذ قرون عشرة .. وانا اليوم، من جنوب سوريا وفي ذروة غزوة الكورونا، أستوحي تغريدته لتكن كلمة البدء .. فمن جعل الارض للطوفان مشتاقة وكيف كٓثُرٓ الشر على ظهرها؟ من أعجز الحي عن الخير وكيف امْقٓرٓتْ أفعال سكانها؟ من سيغسلها من دٓرٓنٍ وكيف؟
اما بدء الكلمة فتكن بالإجابة عن الجزء الأخير من السؤال باستحضار عنوان/ مطلع احد مقالاتي السابقة:
“تحيا فلسطين والاشتراكية، ولتسقط الرأسمالية الآن (في زمن تحالف فايروسي الكورونا والرأسمالية) وكل أوانٍ وعلى الدوام وإلى دهر الداهرين – آمين!”
– فقد أكدت الـ”كورونا” مجددا اخفاق الرأسمالية، وظٓهّرت الاشتراكية باعتبارها الحل العملي العلمي المنطقي الذي من دٓرٓنٍ يٓغْسُلِ .. جاءت “الكورونا” لينتصر النظام الرأسمالي للأرباح على حساب الأرواح مقابل تجلي إنسانية الاشتراكية فعلا ً تنظيرياً وفعلا ً تنظيمياً .. انه فايروس “كورونا سوبرسوبريم – أطراف عسكر ونفط وغاز وزيت وريح”، واسمه الحركي دونالد ترامب والدولة الخفية (لا مجرد العميقة) .. انه تحالف فايروس الكورونا وفايروس الرأسمالية – الخطر الذي يهدد شعوب العالم بكل مقومات التوحش والتغول الرأسمالي .. يوظف جائحة الكورونا كبضاعة في الاسواق والبورصات السياسية، ويستغلها بوصفها سلاح حربي في الترسانة العسكرية الاميركية لشل ايران وتغيير النظام في فنزويلا، مثلا! في الوقت الذي تُقرع نواقيس موت الليبيرالية الجديدة ومعها نظرية الخبز والسيرك، يستمر تحالف الشر هذا في تكديس ورق التوت لتزييف خطط الاستلاب وحرف الوجدان القومي (عن فلسطين، مثلا) في محاولة بائسة لتحويل هذه الجائحة الى أيديولوجيا واستثمارها سياسياً لإعادة صياغة العالم جيوسياسياً وإقتصادياً من الصين الى روسيا وإيران .. أنعش “فايروس كورونا سوبرسوبريم” هذا اليمين المتطرف والخطاب الديني وغذّى منابع الكراهية والتعصب وأعاد الحديث عن الخطر الأصفر والأجانب المقيمين والآسيويين القادمين الى جانب النازحين واللاجئين والمهاجرين .. كما ذهب ببعض البلدان الى التقوقع فاعتمدت بعض دول اوروبا، مثلا، سياسة صحية خاصة في محاربة الكورونا بعيداً عن مظلّة الاتحاد الأوروبي .. كورونا ليست هي الطاعون، انها امريكا والطاعون امريكا!
– “إنَّ البَعوضَةَ تُدمي مُقلةَ الأسدِ”، فما بالكم بفيروسة اصغر من ان تُرى بالعين المجردة وقد استحالت جائحة تهدد الانسانية جمعاء وتضع ملايين، بل مليارات، الناس قيد الإقامة المنزلية الجبرية، وتُغَيّر وجه الدنيا وأولويات الدول والإدارات والشعوب!؟ وباء عابر للحدود والقوميات والأعراق والأثنيات والأديان والطوائف لم يتمكن، رغم ذلك، من وقف هجمة العولمة النيوليبرالية ورأسمالية الكوارث التي تعمل على توظيف الأزمة خدمة للمحور الصّهيواعروبيكي في محاولة بائسة لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية والإقتصادية من الصين الى روسيا وإيران غير عابئين بسلسلة وحلقات متصلة من ردود الافعال التي ما فتئت تضرب في البورصات والأسواق المالية العالمية، مثلاً! شيطنوا الصين .. رفضوا رفع الحصار عن المستلزمات الطبية التي تحتاجها ايران رغم نداءات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية .. كما تخلوا عن الحليفة إيطاليا، العضو في حلف الناتو .. استخفوا بالمرض وفضّلوا السعي الى تحقيق مصالحهم السياسية الضيقة حتى لو أدّى ذلك الى التسبب بانتشار الوباء وإلحاق الضرر الكبير بصحة وأرواح الفرنسيين كما كشفت الانتخابات الفرنسية الاخيرة ضاربين عرض الحائط بالاعتراضات الشعبية، وضعف المشاركة .. أقاموا مصانع للجراثيم والفيروسات وحاولوا، بكل وقاحة وصلف، اختطاف “اللّقاح” الألماني المضاد لاحتكاره بعد اعتماد نجاحه!
– وهذا يعيدنا الى نعومي كلاين ف”كورونا” هو الكارثة المثلى لـ”رأسمالية الكوارث” حيث تفسح “صدمة” فيروس “كورونا” المجال لسلسلة الأحداث التي سبق أن تناولتها في كتابها “عقيدة الصدمة” الصادر منذ نيف و10 سنوات ..فحلول الأزمات التي يفرضها منطق العولمة النيوليبرالية والسوق المتحرر من أية قيود تستغل وتعمق الفوارق الاجتماعية الموجودة. و”عقيدة الصدمة” ان هي الا الاستراتيجية السياسية التي توظف الأزمات الواسعة النطاق لفرض سياسات تعمق الفوارق الاجتماعية وتزيد من ثراء النخب وتفقر جميع الآخرين الذين ينصرفون، في لحظات الأزمات، الى التركيز على الأولويات المرتبطة بضمان شروط البقاء مستسلمين لاهل السلطة واضعين بهم جل ثقتهم! وتأتي هذه الاستراتيجية منسجمة مع حالة الأزمة الأمنية الدائمة التي اعلنتهاادارة بوش الابن، بعد عمليات 11 أيلول 2001، معتمدة الخصخصة على المستويين الداخلي والخارجي .. فاقامت دولة أمن قومي خاصة داخليا، وعملت على خصخصة غزو واحتلال العراق وأفغانستان خارجيا .. ومن نافل القول ان “عقيدة الصدمة” هذه انما جاءت ردا على سياسة الـ”نيو ديل – الصفقة الجديدة” الأصلية التي اعتمدها الرئيس فرانكلين روزفيلت ليعارضها الاقتصادي ميلتون فرديمان بدعوى انها علة جميع الشرور لأنها دفعت الحكومة الأميركية الى اتباع سياسة تدخلية لحل الأزمة الاقتصادية عبر خلق وظائف حكومية وتقديم الاغاثة المباشرة في مواجهة الكساد الكبير.
المقال الجامع، يحتاج لجامعةالجامعات، والاف الدراسات والتحليلات، ومثلهم دارسين ومحللين.
من سهر للصبح، يقرأ ويفكر، ويقرأ ويحلل، لا شك مع شروق الشمس صار دكتورا بالعربي، وبروفسورا بالاجنبي.
وحدها كاتبتنا سيدة اعماق المقالات، وربان سفنها، تحسن العوم والغطس والسباحة ، وركوب الخيل، وركل كرة القدم.
من يدرك ما يدور بعقلها، وكيف يعمل،فتغوص بالبحار، وتخترق الغابات، ولا تتيه بوصلتها عن فلسطين هي المبتدا وهي الخبر. ورغم كورونا وخليك بالبيت….