في ذكرى وفاته … ياسر عرفات.. مسيرة 75 عامًا حافلة بالمنعطفات والمخاضات العسيرة

1٬246

تُصادف اليوم الإثنين؛ 11 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، الذكرى الـ 15 لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات “أبو عمار”، والذي توفي في مستشفى بالعاصمة الفرنسية باريس متأثرًا بالمرض، دون أن يكشف لغز ملابسات وفاته بالسم، حيث لا يزال القاتل مجهولًا.

سيرة ذاتية

وولد الراحل في القدس يوم 4 آب/ أغسطس 1929، واسمه بالكامل “محمد ياسر” عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.

درس في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً.

وشارك مع مجموعة من الوطنيين في تأسيس حركة “فتح” في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميا باسمها عام 1968، وانتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري ويحيى حمودة.

ألقى أبو عمار عام 1974 كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة “جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

الحياة العسكرية والسياسية والاغتيال

شكلّ اغتياله لغزًا أضيف إلى القضية الفلسطينية التي ارتبط اسمه بها منذ منتصف القرن الماضي، وبات الكشف عن “القتلة” مطلبًا وطنيًا لا يخص حركة “فتح” التي ترأس أول خلية عسكرية لها عام 1958.

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (1929- 2004)؛ محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، قاد العمل العسكري لحركة فتح ونفذ رفقة خليل الوزير “أبو جهاد”، وصلاح خلف “أبو إياد” وغيرهم أول عملية فدائية مساء 31 كانون أول/ ديسمبر من عام 1964، عبر محاولة نسف محطة مائية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ ما عرف باسم عملية “عيلبون” والتي تبنّاها عرفات في اليوم التالي الأول من كانون ثاني/ يناير من عام 1965، وهو اليوم الذي اعتمده لانطلاقة حركة “فتح”.

وترأس عرفات خلال أربعة عقود من عمله السياسي حركة فتح، وكان له الأثر الكبير على مسار القضية الفلسطينية.

وأصبح في عام 1969 الرئيس المنتخب لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تحوّلت إلى إطار لفصائل المقاومة، بعد أن كانت مجرد إطار رسمي للشؤون الفلسطينية ملحق بجامعة الدول العربية.

اعتلى منصة الخطابة بالجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، وطرح خيار الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وليعرب عن رغبته في السلام في عبارته الشهيرة “لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

الانتفاضة والفرص السياسية

رأى عرفات في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987- 1994) فرصة لتحريك عملية التسوية السياسية، عبر مؤتمر دولي تشارك فيه منظمة التحرير، وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، كما تم خلال الانتفاضة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، وهو الإعلان الذي صدر في عام 1988.

وفي خريف 1991، أي في أعقاب حرب الخليج؛ شارك ممثلون فلسطينيون بمباركة من عرفات، ضمن وفد أردني- فلسطيني مشترك، في مؤتمر مدريد، الذي أطلق “عملية سلام الشرق الأوسط” برعاية أمريكية.

وبعد إدارة مفاوضات سرية بين قيادة المنظمة والحكومة الإسرائيلية في العاصمة النرويجية أوسلو؛ وقّع عرفات في 1993 اتفاقية “إعلان المبادئ” مع الدولة العبرية، الذي يقضي بقيام الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، مع اعتراف متبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، وقد أدى ذلك لانقسام حاد في الشارع الفلسطيني.

نوبل للسلام والعودة لفلسطين والوفاة

وفي 1994، أُبرم اتفاق الحكم الانتقالي، بينما حصل عرفات على جائزة “نوبل” للسلام سويّة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز.

ودخل عرفات إلى الأراضي الفلسطينية بموجب “اتفاق أوسلو” في عام 1994، وفي مطلع العام 1996 انتخب رئيسًا للسلطة الفلسطينية، بأغلبية كبيرة.

وبعد فشل مفاوضات “كامب ديفيد” والتأجيل المتكرّر لإعلان الدولة الفلسطينية، وتراكم الاحتقان الشعبي الفلسطيني من استمرار الاحتلال؛ اندلعت انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول (سبتمبر) 2000، مع الزيارة الاستفزازية لأرئيل شارون إلى المسجد الأقصى، حيث أراد الرئيس عرفات قلب الطاولة في وجه الأمريكان ومن تحالف معهم. بحسب مراقبين.

وكانت “انتفاضة الأقصى” قد شهدت حملات حربية غير مسبوقة شنتها قوات الاحتلال على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، كما تضمنت تقويضًا تدريجيًا للمعالم الأولية لدولة فلسطينية مفترضة، بما فيها مقار عرفات في غزة ورام الله، التي تم استهدافها بالتدمير والحصار.

وقد قضى عرفات سنواته الثلاث الأخيرة في عزلة داخل مقر “المقاطعة” في رام الله، وسط تهديدات إسرائيلية متواصلة له بالقتل أو النفي، إلى أن تدهورت حالته الصحية بشكل سريع في نهاية تشرين أول (أكتوبر) 2004، وسط ملابسات غامضة.

وعلى إثر ذلك؛ تم نقله إلى باريس، حيث توفي فيها بعد نحو ثلاث أسابيع، وأُعلن عن الوفاة في مشفى بيرسي العسكري الفرنسي فجر الـ 11 من تشرين ثاني/ نوفمبر 2004.

لجنة التحقيق وسبب الوفاة

وأعلن رئيس لجنة التحقيق بوفاة عرفات توفيق الطيراوي، في أكثر من مناسبة، أن “بينات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتيال عرفات”.

وكشف رئيس لجنة التحقيق بظروف وفاة عرفات قبل سنوات أن “لجنة التحقيق توصلت إلى الشخص الذي نفذ الاغتيال”.

وقال الطيراوي: “بقي لغز صغير فقط قد يحتاج إلى وقت لكشف بقية تفاصيل عملية الاغتيال”. لكنه رفض إعطاء المزيد من المعلومات حول المشتبه به وحول سير التحقيق. لكنه قال “إسرائيل تتحمل مسؤولية عملية الاغتيال”.

وفي 25 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة.

واستبعد الخبراء فرضية الاغتيال، وقالوا إن وجود غاز “الرادون” المشع في البيئة الخارجية قد يفسر ارتفاع المواد المشعّة في العينات.

لكن معهد “لوزان السويسري” للتحاليل الإشعاعية كشف في تحقيق بثته قناة “الجزيرة” الفضائية القطرية في العام 2012، وجود “بولونيوم مشع” في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسموما بهذه المادة.

ومع تشييع عرفات في القاهرة، ودفنه في رام الله؛ أُسدل الستار على 75 عامًا عاش فيها ياسر عرفات، وشهدت مسيرة سياسية حافلة بالكثير من المنعطفات والمخاضات العسيرة.

 

التعليقات مغلقة.