الزعماء يأكلون الحصرُم والشَّعب يَضْرَسْ / موسى عباس

362

 

موسى عباس ( لبنان )  السبت 20/7/2019 م
موسى عباس  
أما آن لهذا الشعب أن يستريح ؟!
أما آن له أن يستفيق من غيبوبته التي طالت وطالت حتى  أصبحت موتاً سريرياً .
جسدٌ يهترئ شيئاً فشيئاً من طول السُبات؟!
 هل يمكن لأيٍّ كان أن يدلّنا على مثيلٍ لنا منذ فجر التاريخ وحتى الآن ؟!
أتعلمون لماذا نحن مميّزون ولا مثيل لنا  بين باقي شعوب العالم ؟!
– لأننا شعبٌ فيه  الآلاف من حملة شهادات الدكتوراه، واكثر من مليون من حملة الإجازات الجامعية وفي مختلف الإختصاصات وفيه الآلاف من حملة الشهادات المهنية وكذلك من جميع الإختصاصات.
-شعبٌ فيه من الإعلاميين والمتعمشقين على الإعلام أعداد هائلة ومن المثقّفين الحقيقيين وممن يدّعون الثقافة الآلاف.
شعبٌ يختزن بين ضفافه الأربعة حضارةً تعود إلى ما قبل التاريخ ،شعبٌ يدّعي أنّه نقل  وعلّم العالم الحرف.
– تتساءلون لماذا نحن مميزون ؟!
لأننا ضربنا الرقم القياسي في الاستكانة والخنوع والخضوع .
لأننا رضينا بالذل والمهانة والهيمنة والظلم والطغيان والتجبّر لفئةٍ باغية سلّطناها على أنفسنا برضانا.
-حتى  العبيد ثاروا  بقيادة سبارتاكوس عام 73 ق.م  على اسيادهم ليتحرروا من نير العبودية في زمن أعتى الامبراطوريات ،ونحن في أواخر الربع الأوّل من القرن 21 ولا زلنا نُمجّد الذين يسوقوننا كقطيعٍ من البهائم إلى مقصلة الجزّار.
-نحن شعبٌ  غالبيته الساحقة منافقون ويكذبون على أنفسهم ، ندافع عن الباطل وننفي أننا ندافع عنه ، نتلقى الظلم وندافع عمن يظلمنا، نخضع للإبتزاز  ونمجّد من يبتزّنا  نتلقى الصفعات ونقبّل الأيادي التي تصفعنا ،
يسرقون قوت يومنا وندّعي أنّهم رمز الشرف والأمانة.
ننتقد الزعيم وأعماله وفساده وتغطيته للفاسدين في مجالسنا الخاصّة وإذا ما تجرّأ أحدٌ ما على الإنتقاد من خارج السِرْب ولو بهدف الإصلاح تقوم قيامتنا ولا تقعد فسرعان ما  نُستفزْ  لمهاجمته وتحطيمه معنوياً وجسدياً ونتّهمه بالخيانة والعمالة .
نعيش مجرّدين من أبسط حقوق المواطنية العاديّة والتي يحصل عليها أي مواطن يعيش في مجاهل العالم ونلعن ونشتُم ونكتب ولا نترك وسيلةً إلاّ وتحدثنا فيها عن الفساد والحرمان ، وإذا ما  طُلِبَ منّا أن نُساهم بأبسط الأمور لمحاولة تحصيل حقّ استُلِب منّا نأبى ولماذا لأن الزعيم لم يطلب منّا.
أصبحنا مُجرّد آلات وروبوتات مبرمجة، لا نحتاج إلاّ ل: ضغطٍ على مفتاح التشغيل لنندفع  ملبّين مهللّين حامدين شاكرين ليس لنعم الله وإنّما لنعمِ الزعيم .
شعبٌ يقف بالطابور على أبواب الزعماء وفي الأوقات المُحدّدة علّه يحظى بنظرة رضى، وإذا ما أتيحت الفرصة للبعض مصافحة يد الزعيم يفرح و كأنّه كسِبَ جائزة فقد نال شرفاً لا مثيل له.
وفي المُقابل إذا ما أتيحت له فرصة في وظيفةٍ ما فعليه ان ينال رضى وكيل الزعيم مرفقاً بالمبلغ المرقوم ليحصل عليها رغم كفاءته واستحقاقه لها ، فممنوعٌ أن نتبوّأ مركزاً  أو وظيفةً علا شأنُها أو تدنّى إلاّ بإرادة وليّ النّعمة.
– نحن شعبٌ تُبنى في مدنه وقراه دور العبادة على أنواعها في كلّ حيّ وشارع ، يُكلّف بناء بعضها وزخرفته وتزيينه  الملايين لتُلقى فيها المواعظ وعلى أبوابها يجلس المتسوّلون ، وُعّاظٌ يعتلون المنابر في غالبيتها ينطقون باسم سلاطينهم إلاّ ما رحم ربّي ، وإذا ما  انتفض أحد رجال الدين على الواقع الفاسد داعياً إلى الإصلاح  غيّبوه أو هشّموه وهددوه وتوّعدوه وحرّضوا على قتله،  وحتى الموتى من الإصلاحيين لحقوا بهم إلى القبور ونالوا منهم شتماً وتحريضاً .
أمّا إذا كان من الذين يُكفّرون الآخرين ويحرّضون على الفتنة فهو ممّن يتداعى الناس للصلاة خلفه وللإستماع إلى خطبه لأنه بوقٌ للسلطان ،كما أبواقه الإعلامية.
  – شعبٌ يُحَيّي ويُناصر ثورات الآخرين ولا يثور يناصر حركات التحرّر من الديكتاتوريّات ولا يسعى لتخليص نفسه منها.
وهل  دكتاتورية الحاكم هي فقط في كون سجونه  تغُصّ بالمعتقلين السياسيين؟
 بعض البلاد يحكمها طاغية يسجن ويسفك دماء من يعارضه الرأي  وبعضها يتفاخر بأنّهُ مثالٌ لحرّية الرأي والتعبير ولجميع أنواع الحريّات ولكنّها حُرّيات زائفة مُجرّد حبر على ورق وصراخٌ في الهواء كقرع الطبول التي تجمع وتُفرِّق.
لماذا؟!
لأنّ الزعيم على حقّ حتى لو داس كرامة مناصريه.
الزعيم على حق حتى لو كان سارقاً ناهباً لأموال الفقراء .
الزعيم على حقّ ولو قُتِلَ الأبناء بسببِ حقده وعنجهيته.
الزعيم على حق حتى ولو تآمر وتواطأ مع الأعداء  ضد أبناء وطنه.
الزعيم على حق حتى لو  كان سبباً للفتنة.
لماذا لأننا شعبٌ نعيش الإذلال وندّعي
الحرّية.
و”كما تكونوا يُولّى عليكُم”.
ولولا أن ّ الأمل لا زال معقوداً على بذرةٍ  مُقاومةٍ للفساد وتسعى لاجتثاثه كما اجتثّت المُحتل لقلنا على الدنيا السلام.

التعليقات مغلقة.