تركيا وإسرائيل: أدوار جديدة في معادلة الأقليات / نداء حرب

0 177


نداء حرب – الإثنين 10/3/2025 م …

الأقليات بين مطرقة التطرف وسندان التهميش

مكان الأقليات في “الإمارة الإسلامية السورية”: سؤال يبحث عن إجابة

في خضم الصراعات التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد، يبرز سؤال ملحّ ومقلق: أين مكان الأقليات في “الإمارة الإسلامية السورية” التي تسعى إليها الفصائل المتطرفة؟ هذا السؤال ليس جديداً، ولكنه يكتسب أهمية أكبر في ظل التغيرات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، حيث تُرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط تُعيد تعريف دور الأقليات العرقية والدينية في هذه المعادلة المعقدة.

الأقليات في سوريا: تاريخ من الاستغلال والاضطهاد

تاريخياً، كانت الأقليات في سوريا، سواء كانت عرقية (كالأكراد) أو دينية (كالعلويين والدروز والمسيحيين)، عرضة للاستغلال من قبل القوى الاستعمارية والإقليمية. ففي فترة الاستعمار، استُخدمت هذه الأقليات كأدوات لتقسيم المنطقة وإضعاف مقاومة الحكم الاستعماري. ومع استقلال الدول العربية، استمرت النظرة إلى الأقليات على أنها تهديد محتمل لوحدة الدولة، مما جعلها عرضة للقمع والتهميش.

اليوم، ومع صعود الفصائل الإسلامية المتطرفة في سوريا، تعود هذه النظرة العدائية تجاه الأقليات إلى الواجهة. فالسلفيون المتطرفون، الذين اجتمعوا من كل بقاع العالم، يرون في وجود الأقليات دليل ضعف في دولتهم المزعومة. بل إنهم يعتبرون هذه الأقليات “خطرًا وجوديًا” على هوية الدولة الإسلامية التي يسعون إلى تأسيسها.

في خضم هذا الصراع الأيديولوجي، لعبت تركيا وإسرائيل أدوارًا محورية في إعادة تشكيل المشهد السياسي السوري فتركيا، التي قدمت أكبر جائزة لإسرائيل في القرن الحادي والعشرين من خلال إسقاط نظام الأسد، سمحت للدولة العبرية بالتربع على عرش المشهد السياسي في المنطقة اليوم، أصبح بنيامين نتنياهو الحاكم الفعلي أمنيًا وعسكريًا وحتى جيوسياسيًا لسوريا، حيث بدأ برسم الخرائط وتوزيع الأدوار في إعادة صياغة “سوريا الجديدة”.

وفي هذا السياق، أصبحت الأقليات السورية، وخاصة العلويين والدروز والأكراد، أوراقًا رابحة في هذه اللعبة الجيوسياسية فإسرائيل، التي كانت دائماً حريصة على إقامة علاقات وطيدة مع الأقليات في محيطها، وجدت في سوريا فرصة ذهبية لتعزيز أمنها القومي من خلال حماية هذه الأقليات ولكن هذه الحماية ليست مجرد عمل إنساني، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتفتيتها إلى دويلات صغيرة تدين بالولاء لإسرائيل وواشنطن.

في ظل هذه التطورات، تواجه الأقليات في سوريا مصيراً مأساوياً، فمن ناحية، تتعرض للاضطهاد والقتل على يد الفصائل المتطرفة التي ترى في وجودها تهديداً لهويتها الدينية، ومن ناحية أخرى، تُتهم هذه الأقليات بالعمالة والخيانة من قبل بعض الأطراف المحلية، مما يجعلها رهائن في أيدي المتطرفين الذين يفتكون بها متى شاؤا.

وهنا يبرز السؤال: لماذا عادت إسرائيل لتبني مسألة الأقليات في سوريا؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسية:

1. ضعف الدولة الجديدة ذات النزعة الإسلامية السنية: هذه الدولة، التي تسعى الفصائل المتطرفة إلى تأسيسها، تتقاطع مع مصالح الأكراد والدروز والعلويين، مما يجعلها غير قادرة على احتواء هذه الأقليات.

2. الإغراءات الخارجية: الولايات المتحدة تدعم الأكراد، بينما تدعم إسرائيل الدروز، مما يخلق تحالفات طارئة تعزز من انقسام المجتمع السوري.

3. تعرض الأقليات للضغوط: من خلال حملات التخوين والعمالة، تُجبر الأقليات على البحث عن حماية خارجية، مما يسهل على إسرائيل التدخل في شؤونها،فإسرائيل والأقليات هل هي تحالف مصالح أم استغلال؟

تعمل إسرائيل على استغلال حالة الخوف والرعب التي تعيشها الأقليات في سوريا، حيث تُقدم نفسها كحامية لهم في مواجهة آلة القتل التكفيرية. ولكن هذه الحماية ليست مجانية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي من خلال إقامة دويلات صغيرة تدين بالولاء لتل أبيب.

إسرائيل لا تخفي سعيها منذ فترة طويلة إلى إقامة علاقات وطيدة مع الأقليات في محيطها، سواء في لبنان أو سوريا. ففي لبنان، دعمت إسرائيل الدروز في مراحل معينة، بينما في سوريا، تسعى إلى تكرار نفس السيناريو من خلال حماية الأقليات وتشجيعها على الانفصال عن الدولة المركزية.

مستقبل مظلم للأقليات في سوريا

في النهاية، يبقى مستقبل الأقليات في سوريا غامضًا ومقلقًا، فبين مطرقة التطرف الديني وسندان التهميش السياسي، تُجبر هذه الأقليات على البحث عن حماية خارجية، مما يعرضها لخطر الاستغلال من قبل القوى الإقليمية والدولية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل يمكن للأقليات في سوريا أن تجد مكانًا آمناً في دولة ديمقراطية تضمن حقوقها وحرياتها؟ أم أن مصيرها سيكون دويلات صغيرة تدين بالولاء لقوى خارجية، مما يعمق من انقسام المجتمع السوري ويؤجج الصراعات الطائفية والعرقية؟

في ظل هذه التحديات، يبقى على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في حماية الأقليات وإنهاء معاناتها، قبل أن تتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة للصراعات الطائفية والإقليمية التي لا تُبقي ولا تذر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

2 × 1 =