من فكر السيد حسن نصر الله (3).. القائد اللبناني وحامل هموم الوطن / ذوالفقار ضاهر
لا شك ان سيد شهداء الامة القائد الاستثنائي الشهيد السيد حسن نصر الله (قده) بذل كل ما بوسعه وأمضى حياته في المقاومة وقيادتها دفاعا عن لبنان وسيادته ولحماية شعبه أرضه من الاعتداءات المختلفة التي تعرضه للأخطار خاصة تلك الآتية من العدو الاسرائيلي ومن خلفه الادارات الاميركية المتعاقبة وصنيعاتها الجماعات الارهابية التي هددت امن واستقرار لبنان والمنطقة.
وحماية لبنان لم تقتصر فقط على المواجهات الامنية والعسكرية وإنما شملت أيضا حمايته من المخططات والمؤامرات التي كانت تحاك له وللمنطقة بشكل عام وبإدارة وإشراف مباشر او غير مباشر من الاميركيين، ومن بينها ما يسمى “مشروع الشرق الاوسط الجديد” الذي أفشلته المقاومة في العام 2006 غداة إفشالها عدوان تموز-أب من ذلك العام، وربما اليوم نشهد أحد حلقات مسلسل المحاولات المتواصلة لتطبيق هذا المشروع، كما نجحت المقاومة بقيادة السيد نصر الله مع غيرها من الحلفاء من تجنيب لبنان اكثر من مرة لمحاولات جرّه الى فتن هنا او هناك، بعضها له لبوسه الاجتماعي او الامني او الطائفي وغيره.
ودفاع السيد الشهيد عن لبنان يأتي بالدرجة الاولى والاخيرة ان هذا البلد وطنه ووطن آبائه وأجداده الذي لا يمكن التخلي عنه او تركه عرضة للأخطار والاعتداءات او تركه عاريا امام العواصف التي تهدده خاصة مع وجود عدو متربض به دائما وما نشهده من عدوان اليوم في العام 2024 يأتي ضمن هذا الإطار، ولذلك نجد المقاومة الاسلامية هبّت للدفاع عن لبنان قبل استشهاد السيد نصر الله وبعده انطلاقا من نفس القاعدة المذكورة أعلاه بأن لبنان وطننا ويجب ان نحميه.
وفي كلمة لسيد شهداء الامة القائد الشهيد السيد حسن نصر الله(قده) ألقاها يوم 28-8-20217 قال “.. نحن لا نحمل إلا جواز سفر واحد هو جواز سفر لبناني نحن ليس لدينا جنسيتين لدينا جنسية واحدة لدينا تاريخ واحد وأرض واحدة ومستقبل واحد، نحن أبناء هذه الارض كما كل الشعب اللبناني…”.
وفي كلمة له يوم 26-11-2005 قال السيد الشهيد “.. نحن نقبل النقاش والحوار في لبنان ونرفض الاتهام أننا أشرف وأرفع وأرقى وأنقى وأصفى وأطهر وأخلص وأكبر من أن يجرؤ أحد على اتهامنا في خلفيتنا الوطنية..”.
فالسيد الشهيد بقدر ما كان متمسكا بلبنانيته يرفض المساس بها تحت أي شعار او حجة كما يرفض التشكيك بخلفيات قد يسقها البعض لتشويه صورة المقاومة والتضحيات التي كانت تقدم في مختلف المجالات ولا سيما في المقاومة العسكرية المسلحة حيث يجب ان تكون هذه التضحية وبالمعركة المناسبة، وقد قال في حديث له يوم 19-8-2021 “.. نحن سادة عند الولي الفقيه ولسنا عبيداً عند أميركا وأدواتها في المنطقة..”، وبهذا الإطار يمكن فهم ان السيد الشهيد يعتبر ان لبنان هو وطن نهائي للجميع وخاصة للبيئة الحاضنة للمقاومة، ومن هذا السياق كان الإقدام على التضحية في سبيل الحفاظ على الوطن بما يحقق مصلحة لبنان أولا.
وفي كلمة له اوضح السيد نصرالله 22-8-2022 “نحن ايها الاخوة والاخوات في الشأن اللبناني منذ سنوات عديدة وخصوصا في الوثيقة السياسية التي اصدرناها عام 2009، حسمنا رؤيتنا حول الخيارات، لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وهذا نسير فيه على خطى الامام السيد موسى الصدر أعاده الله بخير، بناء الدولة العادلة والقادرة، نحن الى ما قبل كنا نتعايش مع الدولة الموجودة، نحرص ان لا نصطدم معها، اولويتنا المقاومة، نخدم الناس بما نستطيع، وندافع عن مصالحهم بما نستطيع، في المجلس النيابي والحكومة والشارع والنقابات والمهن والمؤسسات…”.
ومن هذا المنطلق اللبناني الوطني يمكن فهم كيفية تحمل واهتمام السيد الشهيد بشؤون لبنان وشعبه ومصالحه أمام كل الأخطار التي تعرض لها على مدى اكثر من 30 سنة، وهذا ما يمكن استنباطه من فكر وعمله وجهاده، والسيد نصر الله يؤمن ان لبنان ككيان متنوع يجب الحفاظ فيه على هذا التنوع بدون ان يتم إلغاء أحد او تمييز فئة على حساب اخرى، ولا بد من تكريس ذلك في الإطار العملي للحفاظ على الوحدة الوطنية والتعاطي بإيجابية مع الآخر بهدف التقارب ونزع اي هواجس قد تؤدي الى فرقة او تباعد، وهناك شواهد كثيرة مارسها حزب الله بإشراف وقيادة السيد الشهيد تدلل على ذلك، تمكننا من تقييم تجربة حزب الله في هذا الإطار منذ تأسيسه وخاصة خلال فترة قيادة الشهيد السيد نصر الله.
حول كل ذلك، أكد نائب رئيس مجلس النواب الاسبق إيلي الفرزلي في حديث لموقع قناة المنار “لا أستطيع ان أفهم السيد الشهيد المميز إلا من باب فهمه العميق لإيمانه الإسلامي وفي الوقت عينه للمخاطر التي تشكلها اسرائيل في تواجدها في قلب هذه الامة، من حيث المخاطر التوسعية والفاشستية والمخاطر التي تريد ان تبني امبراطورية على أنقاض جماجم ابناء شعب فلسطين والمنطقة التي تقع تحت حدود اسرائيل الكبرى وتكون لها اليد العليا على باقي اجزاء هذه الامة”، وتابع “لا يمكن إلا ان يكون سماحة السيد الشهيد وفهمه لهذا الواقع إلا مصداقا لقوله تعالى: (إنما المؤمنون من آمن بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وكانوا من الصادقين)، وهو كان من الصادقين”.
وقال الفرزلي “لا يمكن إلا ان تلمس بصورة واضحة وجلية قناعة سماحة السيد الشهيد وإيمانه القاطع بأن لبنان بلد متنوع ويجب الحفاظ على هذا التنوع لانه يمثل نموذجا حقيقيا للتعايش بين الاديان التي هي في نهاية الامر من صلب بعضها البعض”، ورأى ان “هذا الامر أثبته سماحة السيد عبر ممارسته الاكيدة منذ اللحظة الاولى لتسلمه قيادة الامانة العامة لحزب الله ورفض الانجرار لاي فتنة طائفية او مذهبية، وشدد على ان العدو هو اسرائيل وانها عدو للمسيحيين والمسلمين على السواء”، وذكّر “بالقرار الشهير للمقاومة بقيادة السيد نصر الله أبّان تحرير العام 2000 عندما منع المساس ولو بضربة كف واحدة لاي كان ممن تعاملوا مع العدو من المسيحيين او المسلمين، وسلموا وقتها للدولة والاجهزة”، كما ذكّر ان “في بعض الاحيان كان يقتل بعض الافراد من بيئة حزب الله وكان السيد يؤكد انه لو قتل ألف شخص منا فلن نرد لاننا نرفض الانجرار للفتنة ونريد ان نحافظ على لبنان وسلمه الاهلي”، واكد ان “هذه التصرفات هي التي تحمي لبنان التنوع ولو كانت على حساب الشخص او فئة او مكون فالهدف حماية الوطن دائما”.
واضاف الفرزلي “السيد نصر الله تفهّم التنوع والتعددية ضمن هذا المجتمع وكان يعمل دائما للمحافظة على التآخي والعلاقات الايجابية بين مختلف المكونات”، وتابع “لانه كان حريصا على ذلك جعل من مقولة لبنان وطنا نهائيا لجميع أبنائه مقولة قابلة للتحقق لانه لا يمكن ان تتحقق إن لم يكن هناك قادة من مستوى سماحة السيد الشهيد كي نستطيع ان نحافظ على هذا الوطن دون ان يتبعثر ويتقسم بصراعات تبدأ ولا تنتهي بين مختلف المكونات والطوائف”.
وقال الفرزلي “أؤمن إيمان لا لبس فيه ان خسارة السيد نصرالله كانت خسارة كبيرة لامست الخسارة الاستراتيجية نظرا لادراته وقيادته لشؤون وشجون هذا الوطن إن لم يكن هذه الامة بعقل واسع منفتح مؤمن محتسب مضح في سبيل جعل هذا الحزب الذي يمثل، مسؤول بصورة مباشرة او غير مباشرة عن تحرير الارض من رجس الاحتلال الاسرائيلي”، وتابع “بالنسبة لحزب الله، أهمية المسيرة التي اعتنقها انه كان حزبا جهادي نضاليا ضحى بالغالي والنفيس في سبيل تأمين هذا التحرير”، واضاف “حزب الله حتى في تجربته السياسية منذ تأسيسه وحتى اليوم وخصوصا عندما دخل في السلطة الاشتراعية ومن ثم السلطة التنفيذية جرّاء حرص وايمان واشراف وقيادة السيد الشهيد كان نموذجا يحتذى لجميع ابناء الشعب اللبناني”.
من جهته، قال الدكتور الشيخ صادق النابلسي في حديث لموقع المنار إن “السيد حسن نصر الله من أكثر الشخصيات الوطنية التي اختارت الانحياز إلى النموذج اللبناني بتنوعه الثقافي والديني والاجتماعي، وكان يرى فيه النموذج النقيض للمشروع الصهيوني الذي يقوم على الأفكار العنصرية والتوسعية الاستعمارية والعدائية السياسية”، ولفت الى ان “دفاع السيد نصرالله عن هذا النموذج ترجمه في أقواله وأفعاله، في الأقوال قال ما ينبغي أن يقوله أي وطني يحب بلده وأرضه، وفي الأفعال التزم بكل ما يمكن أن يؤكد وحدة الوطن تراباً وشعبا”، وأوضح “كانت التحالفات التي نسجها تقوم على شراكة مع المكونات السياسية والطائفية وإيجاد توافق حول ما يجمع بينها من قواسم وطنية مشتركة وفتح حوارات جدية لتجاوز أي خلل إن كان بالدستور أو بالواقع الاجتماعي”، واضاف “أما في العلاقات الخارجية فوظف الشيد الشهيد كل إمكاناته لدعم وحدة لبنان وسيادة أراضيه واستقرار مجتمعه”.
وقال الدكتور النابلسي “بالمناسبة، نحن نرى أن الكثير من القيادات اللبنانية تدعي أن لبنان كياناً ومؤسسات من أولوياتها ولكن تُظهر التجربة عكس ذلك ما يجعلها غير جديرة بالثقة عندما يتعذر عليها الوفاء بوعود الشراكة أو استحقاقات السيادة، فيما نرى السيد نصرالله يضحي بمصالح حزبه الشخصية وبحياته من أجل لبنان الشراكة ولبنان السيادة”، وتابع “هناك الكثير من التحديات الداخلية التي كاد لبنان أن يدخل فيها حرباً أهلية وأخطرها بعد اغتيال الرئيس الحريري وبدء الأزمة في سوريا”، واضاف “لكن السيد نصر الله استطاع بجهده وفكره ووعيه وصبره وتحمله أن يفشل كل المحاولات وأن يمنع الفتنة والتقاتل حفاظاً على لبنان من التقسيم والتقاتل الداخلي العبثي”.
من جهة ثانية، أشار الشيخ النابلسي الى انه “خلال حروب إسرائيل على لبنان منذ العام 1982 وقف السيد نصر الله بكل قوته وشجاعته بوجه الآلة الإسرائيلية الهمجية مدافعا عن سيادة لبنان بالمقاومة التي ترأس قيادتها وظل حتى آخر لحظة من عمره يبذل كل جهد متاح ويصنع كل فرصة ممكنة ليبقى في دائرة الحصانة والمنعة والقوة”، ورأى ان “وقوفنا متأملين في حياة السيد نصر الله يضعنا أمام حالة فريدة في التضحية والإيثار والإخلاص دفاعاً عن بلده فهو الذي قدم ولده ثم قدم نفسه فداء لهذا الوطن بكل حبة تراب من أرضه”.
واشار الشيخ النابلسي الى ان “الشهيد السيد نصر الله ابتعد في ممارسة السياسة عن المزايدات واستغلال النقوذ واقترب في ممارسة الشأن العام من الاعتبارات الوطنية والأخلاقية، وبرز بمصداقية القائد الشفافة والمتفاعلة مع الحق والمسؤولة عن الواجبات والتحلي بالجرأة والتضحية بالمصالح الشخصية فلم يكن يقبل بسلوك الإثارة الطائفية والسياسية ولا سلوك الانتقام من الخصوم بل حوّل مفهوم إدارة الشأن العام من مفهوم يقوم على التنافس للوصول إلى السلطة بأي نوع من المبررات والدواعي إلى مفهوم يقوم على الخدمة والمصداقية والمسؤولية وبناء الحوارات ورفض تغذية النزاعات بأي دوافع ومسوغات غرائزية وانتهازية”، وتابع “لقد طلب من كل المسؤولين العمل على بناء إدارة نظيفة وقوية وأبوية ومسؤولة والابتعاد عن التجارب الطائفية الحزبية القديمة وإن كانت عميقة الجذور ولكنها كانت تصطدم بمأزق في فاعيلتها وجداوه ووطنيتها”.
وقال الشيخ النابلسي إن “السيد نصر الله كان متعطشاً لدولة تراحمية وشعب يعيش حرية التواصل والتفاعل والحوار الإيجابي، رافضاً الخلافات التاريخية حول الهويات والانتماءات الضيقة وهي خلافات لا يمكن حلها بالكراهيات والعنصريات والعصبيات المغلقة ولا بالتطرف الصراعي الذي يريده البعض على طريقة الحلول النازية والصهيونية، أي الانفصال والإبادة، بل سعى لبناء دولة القانون ومؤسسات تؤمن حقاً بإنسانية المواطن اللبناني الذي يتطلع إلى علاقة سليمة مع الدولة بلا حواجز وحدود، وإسقاطات الدول العنصرية”.
واعتبر ان “السيد نصر الله اشتكى من اضطراب مفهوم الدولة والسيادة ومن دعاة التقسيم ومن السياسات القاصرة ومن النماذج القيادية الانتهازية والذيلية ما أدى إلى تزعزع الثقة بين المواطنين والدولة”، واضاف “لذلك دعواته كانت تقوم على استخلاص العبر والإسهام في صنع وصياغة رؤى وأفكار تحسم المزيدات والجدل والمنازعات حول موقع لبنان ودوره وهويته وتكريس لبنان وطناً لجميع أبنائه حراً مستقلا، مع تشديده على أن الطائفية مرض لبنان الأكبر وسرطانه الداخلي وأن على اللبنانيين جميعاً تقريب ساعة اليقظة والوعي والوطني بتنظيم قوانين انتخابية وطنية”.
واكد الشيخ الدكتور النابلسي ان “السيد نصر الله لم يكن ضد التدرج في الوصول إلى بناء الدولة العادلة القوية الموحدة لأنه لا يريد الإخلال بالتوازن بشكل صادم، بل كان يسعى من خلال إدارة وطنية كفوءة مؤمنة بالحوار بين كل المكونات إلى الوصول إلى أفضل القواعد التي تحقق الانتظام والاستقرار والتقدم والعدالة لكل اللبنانيين”.
لمتابعة سلسلة المقالات حول فكر الشهيد السيد حسن نصر الله، الضغط على الروابط التالية:
من وحي فكر السيد نصر الله.. سلسلة ينشرها موقع المنار على حلقات
من وحي فكر الشهيد السيد نصر الله (1).. التقارب والوحدة الإسلامية
من وحي فكر السيد نصر الله (2).. القائد العروبي وناصر قضايا الأمة