وعادت غزة مجددا تقاتل لوحدها!! / سماك العبوشي

0 266

سماك العبوشي ( العراق ) – الأربعاء 27/11/2023 م …

استهلال وتوطئة…

مقالي هذا موجه لأبناء أمتنا العربية عامة، ولفئتين في مجتمعنا العربي خاصة هما:

1- فئة مطبّعة، ومرجفة مهزوزة لطالما خذلت الأمة، وناصبت العداء للمقاومة بشتى مسمياتها المساندة لفلسطين، وسعت جاهدة لتشويه صورتها وطمس معالمها وحقائق انتصاراتها على العدو لاسيما تلك التي تحققت في أعقاب طوفان الأقصى المبارك!!.

2- وفئة أخرى طبلت وزمرت بعد صدور قرار وقف القتال في الجبهة اللبنانية، مدعية بأن المقاومة اللبنانية قد حققت انتصارا ساحقا ماحقا، وأنها قد مرّغت أنف إسرائيل وأجبرت النتن ياهو لقبول الهدنة صاغرا مرغما ووقف إطلاق النار!!.

والتمس من كلا الفئتين معا أن يضعا جانبا عواطفهما وقناعاتهما، قبل وأثناء قراءة مقالي المتواضع هذا، وليتدبرا ما سيرد فيه، وذلك كي نصل جميعا الى الحقيقة المجردة ونعرف واقعنا، فلا نسقط في وهم أو خديعة أخرى قد تزيد من طينة وحلنا وشقائنا وبؤسنا!!

والله من وراء القصد.

أولا … وردا على الفئة الأولى المتمثلة بالمطبعين والمرجفين والمهزوزين، الذين خذلوا الأمة وطعنوها في ظهرها، القادحين بذمة المقاومة، أقول:

لطالما قدحتم في سيرة المقاومة الفلسطينية، ووصمتموها بالعمالة وأنها منقادة لإيران وتوجيهاتها، ولقد تناسيتم بقلة تبصركم وسوء تدبيركم بأن أنظمتكم العربية كانت السبب بأن تتسيد إيران مشهد المناصر الوحيد لقضية فلسطين والداعم لها والرافع للواء الدفاع عنها، كما وتعاميتم عن حقيقة أن نهج أنظمتكم تلك في التطبيع مع العدو الإسرائيلي وخذلانها لقضية فلسطين وعدم دعمها لها كان السبب الرئيس بذلك، وبما جرى، وما سيجري لاحقا، وأخشى أن تستيقظوا من غفلتكم تلك على وقع احتفالات الكيان الغاصب بتحقيق شعار “إسرائيل الكبرى”، وحينذاك سنردد (ولات ساعة مندم)!!

ثم أسترسل بالرد لهم فأقول:  

أين كنتم طيلة عام وشهرين من استمرار المذبحة التي جرت في غزة يا تُرى!؟

لِمَ لَمْ نسمع منكم موقفا مشرفا واحدا يرفع من معنويات أبناء غزة، ويشد من أزرهم، ويُخفف عنهم وطأة الإبادة الجماعية التي تجري لهم، في وقت اكتفى قادة أنظمتكم بعقد اجتماعين لقمة عربية وإسلامية وصفتا حينها بـ (العاجلة والطارئة!!) واللتين عقدتا في الرياض ولم يخرجوا إلا بقرارات الشجب والاستنكار والتنديد، فكانوا بذلك أقرب لجبل تمخض فولد فأرا!؟

بل على العكس من ذلك، فرغم آلام وصراخات وجراحات أبناء غزة، فقد كانت أنظمتكم منشغلة   بمهرجاناتها وترهاتها وسخافاتها، والتي استضفتم فيها عاهرات الغرب ليرقصن ويغنين على مسارحكم مقابل ملايين الدولارات التي دفعت لهن، فيما راح أبناؤكم وبناتكم يتراقصون معهن وتتمايل خصورهم طربا ونشوة!!

وفي مقابل ذلك – ومازال كلامي هذا موجها للمطبعين والمرجفين والمهزوزين- فقد بذل حزب الله اللبناني قصارى جهده وسخّر كامل طاقاته وإمكاناته المحدودة لنصرة غزة، وعمل جاهدا قدر ما استطاع للتخفيف من وطأة ضربات قوات الاحتلال لغزة الصمود والرباط، طيلة سنة كاملة، وأوقع بالعدو الإسرائيلي الضربات الموجعة، سواء على جبهة القتال المباشر، أم في العمق الإسرائيلي حيث مدنه ومستوطناته، ولعل خير شاهد على ما بذله حزب الله اللبناني، أنه في خضم هذه المواجهة قد خسر قائده وأمينه العام السيد حسن نصرالله رحمه الله، ومن بعده من خلفه بالقيادة السيد هاشم صفي الدين رحمه الله، علاوة لبعض من قادة فرقة الرضوان التابعة له، أقول بأن خسارة كل هؤلاء لهو دليل ساطع على صدق نوايا حزب الله تلك، واغتيال السيد حسن نصرالله – مع اختلاف الآراء بتسميته شهيدا عند بعضكم أم لا- إلا أنني أصفه بالشهيد، فهو شهيد بإذن الله مادام أنه قد تحدى الاحتلال ووقف في وجهه، وخسر حياته لقاء موقفه الشجاع والمبدئي في الدفاع ومساندة ونصرة غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم عليها!!.

فما الذي قدمتموه أنتم لأمتكم وشعبكم بالله عليكم!!!؟

ثانيا … وأعود لأجيب الفئة الثانية من بني جلدتنا، تلك التي طبلت وزمرت عقب إعلان وقف إطلاق النار، فراحت تدعي بزهو بأن موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار ما كان ليتم لولا الهزيمة المنكرة التي منيت بها قواته، وأن النتن ياهو قد سعى من أجل ذلك، وان وقف إطلاق النار بحد ذاته يُعد انتصارا ساحقا لحزب الله اللبناني واندحارا وهزيمة للعدو الصهيوني!!

وأسترسل في ردي وأقول موضحا:

لا شك في أن حزب الله اللبناني كان قد أوقع أقسى الضربات الموجعة بقوات الاحتلال، سواء على جبهة القتال، أم في العمق الإسرائيلي حيث مدنه ومستوطناته، وأدخل الرعب في قلوب مستوطنيه وكبده الكثير من الخسائر الاقتصادية والسياحية، لاسيما ما شاهدناه في الأسبوع المنصرم من شدة ضرباته الموجعة، ولم يكن من المتوقع أن يذعن حزب الله اللبناني ويرضخ فيوافق صاغرا على قبول الهدنة ما لم يكن قد تعرضت قيادته لضغوط كثيرة وكبيرة، منها ما هو لبناني داخلي، ومنها ما هو خارجي كتهديدات الولايات المتحدة الأمريكية للبنان، هذا كما ويجب أن نضع في حسباننا حقيقة أن سلاح حزب الله وأمواله مصدرها إيران، وهو أمر يعلمه الجميع، ولطالما ردد هذه المعلومة أمين عام حزب الله اللبناني الراحل السيد حسن نصرالله رحمه الله في كثير من خطبه المعلنة، واللبيب من الإشارة يفهم!!

ولكي نكون منصفين دقيقين بتحديد وتشخيص أي الفريقين قد حقق أهدافه من خلال موافقته على بنود اتفاق وقف القتال، الكيان الصهيوني أم حزب الله، علما أنني لن أتطرق الى بنود اتفاق وقف القتال، فهي لعمري منشورة في المواقع الإخبارية، وبإمكان الجميع الاطلاع عليها، لكنني سأستعرض فقط مفردتين كبيرتين وهامتين من مفردات طالما تغنى بهما حزب الله اللبناني ومن خلفه محور المقاومة ورفع شعاراتها منذ إعلانه مشاركته ومساندته في الدفاع عن غزة والتخفيف عن وطأة ما تمر بها، ومن ثم لنحدد أي الفريقين حقق أهدافه (المرحلية) وايهما لم يحقق، وكالتالي:

1- مفهوم “وحدة ساحات المقاومة”:  

لطالما ردد السيد حسن نصر الله رحمه الله في خطبه وأكد انخراط حزب الله في الحرب لدعم حماس من منطلق “جبهة الإسناد” و “وحدة ساحات المقاومة”، ذلك الشعار الذي أدخل البهجة الى نفوسنا، وزاد من ثقتنا بأن الأمة مازالت بخير وأنها لم تمت، ورغم أن العديد من المناوشات حصلت من جبهة اليمن والعراق، إلا أنها للأسف الشديد لم تصل إلى حد توجيه الضربات الكبيرة لإسرائيل مقارنة بالضربات التي وجهتها إسرائيل في غزة أو في لبنان فيما بعد!!

وفي خضم تلك الضربات الموجعة لحزب الله اللبناني للكيان الإسرائيلي، فإذا بإعلان وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الغاصب يعلن على الملأ بعد جولات مكوكية لمبعوث بايدن، ليضع مصير “وحدة ساحات المقاومة” في مهب الريح، ولا يعرف ما الذي سيتبقى منه بعد تحييد حزب الله اللبناني وتكبيل يديه وتجريده من سلاحه وفق بنود اتفاق وقف إطلاق النار هذا!!

وللحقيقة والانصاف أقول ما لنا وما علينا، فإن ضربات حزب الله اللبناني لإسرائيل وإن كانت موجعة لها، إلا أنها لم تكن بنفس مستوى ضربات إسرائيل وذلك لاختلاف قوة وحجم تسليحهما، ورغم أن حزب الله وحليفتها الكبرى إيران قد أوضحتا منذ البداية بأن هناك حدودا لما سيسمح محور المقاومة لإسرائيل بالقيام به في غزة، بما في ذلك غزو القطاع، إلا أنهما لم يوضِّحا أبدا ما طبيعة ردهما، ولا إلى أي مدى سيذهبان، مع الاحتفاظ بهامش من المناورة التكتيكية!!، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن حزب الله اللبناني ومن منطلق وحدة الساحات، وطيلة عام كامل من المواجهة مع إسرائيل، فقد أعلن وأصر بأنه لن يوقف هجماته على إسرائيل إلا عندما توافق الأخيرة على وقف القتال في غزة، وللأسف الشديد لم تتطرق بنود الاتفاق لموضوع إيقاف القتال في غزة لا من قريب ولا من بعيد!!

2- الانسحاب الى شمالي نهر الليطاني وتجريد حزب الله من أسلحته ومراقبة تسليحه مستقبلا:

لقد تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، بدفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، سواء بالوسائل الدبلوماسية أو العسكرية، وهذا ما تحقق فعلا بقرار وقف اطلاق النار المبرم، حيث سينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني اللبناني، الذي يبعد نحو 30 كيلومترا شمالي الحدود مع إسرائيل، وإخلاء الحزب لجميع مواقعه في الجنوب وتسليمها للجيش اللبناني، مما سيفقده بالتالي القدرة على ضرب ودك المدن الإسرائيلية داخل العمق الإسرائيلي.!!

إن مصلحة إسرائيل في الموافقة على وقف إطلاق النار واختيار التوقيت فتتلخص بالاتي – على حد وصف الباحث ديفيد خلفا، المدير المشارك لمرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والمسؤول عن “الاجتماعات الجيوسياسية” لمؤسسة جان جوريس- :

1- إضعاف حزب الله عسكريا، وتثبيط رغبته في خلق اتصال بين الجبهة الشمالية والجبهة الجنوبية!!

2- ما يتعرض له الجنود الإسرائيليون المحتشدون على الجبهة من إرهاق، خاصة أن الذين يقاتلون في الشمال هم أنفسهم الذين قاتلوا في الجنوب!!

3- أن الأهداف في الشمال أكثر تواضعا بكثير منها في الجنوب، فالهدف جنوبا هو التعجيل بانهيار حركة حماس، بينما هو في الشمال لا يعدو تحييد الخطر الذي يفرضه حزب الله، مع تدمير التحصينات وشبكة الأنفاق ومخازن الأسلحة وقوات الرضوان الخاصة التابعة للحزب، وهو ما تم احتواؤه الآن إلى حد كبير!!.

4- هناك عامل سياسي مرتبط إسرائيليا بالانتخابات الأميركية، وهو خوف إسرائيل من أن تتصرف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المنتهية ولايتها على غرار إدارة سلفها باراك أوباما الذي سمح بتمرير القرار 2334 الملزم في مجلس الأمن والمتمثل بإدانة الاستيطان في الضفة الغربية!!

 

زبدة ما أقول وخلاصته:

يأتي اتفاق وقف إطلاق النار بعد أشهر من القصف المتبادل بين حزب الله والقوات الإسرائيلية الغاشمة عبر الحدود، ويحق لحزب الله اللبناني أن يعلن بفخر واعتزاز أنه تمكن من الصمود طيلة هذا العدوان ومنع القوات الإسرائيلية من تنفيذ كامل مخططاتها في جنوب لبنان، كما وأنه استطاع أن يزعج ويربك مخططات حكومة إسرائيل ويخفف من غلوائه وهجمته الوحشية على قطاع غزة!!

وفي المقابل، تستطيع إسرائيل بأن تزعم أنها حققت انتصارات كبرى فيها، كاغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله رحمه الله ومعظم كبار قادته، وتدمير البنية التحتية للحزب على نطاق واسع، كما وتمكنت من تحييد مفهوم “وحدة ساحات المقاومة” وإخراج حزب الله ولو مؤقتا من جبهة مساندة ونصرة غزة، علاوة على ما ورد من بنود اتفاق وقف القتال التي لم نتطرق اليها كاملة!!

وأهم ما تحقق للكيان الصهيوني أنه قد تمكن مجددا من الاستفراد بغزة لينهي ما كان قد بدأه بمعونة غربية، وسكوت وخذلان عربي لم نشهد له مثيلا عبر التاريخ العربي!!

 

فهل يا ترى، ووفق ما طرحناه آنفا، يمكن اعتبار أن حزب الله اللبناني قد انتصر على العدو الإسرائيلي بعد موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار !؟، أم ماذا!!؟

أترك الإجابة لكم.

ختاما أقول:

بأن من سُننِ اللهِ في الصراع بين الحقِّ والباطل ، أنه لا تمكِينَ بلا امتحَان، وأن لا أمنَ إلا ويسبقُه فزع!!

فليفرح المؤمنون بوعد الله تعالى.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

سبعة عشر − ثمانية =