اتفاق بكين للمصالحة الفلسطينية … مكانك قف وللخلف در ! / مهدي مبارك عبد الله
مهدي مبارك عبد الله ( الأردن ) – الخميس 15/8/2024 م …
في اجواء سياسية ضبابية مثيرة للاستغراب وضمن حالة صمت مريب من قبل الطرفين ( السلطة الفلسطينية وحركة حماس ) ومع تصاعد العدوان الصهيوني الغاشم على غزة والضفة الغربية وانهيار الظروف الاقتصادية وسوء الأوضاع الاجتماعية يتطلع ابناء الشعب الفلسطيني للفرج القريب بالخروج من حالة الركود المملة التي طال انتظارها بعد التفاؤل بعقد اتفاق المصالحة مؤخرا في العاصمة الصينية بكين والذي لم يسفر حتى الان عن أي نتيجة إيجابية تعزز الاماني والطموحات بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه لتحقيق المصالحة الوطنية وما اصبح يرافق ذلك من خشية شديدة من تغير النوايا وتعثر المساعي والعودة الى المربع الاول والدخول من جديد في متاهات الترقب والانتظار لمستجدات مجهولة قد لا تحصل ابدا
الانقسام الفلسطيني الداخلي وفصم عرى الوحدة الوطنية بدأ في عام 2007 حيث أصبح هناك حكومة بزعامة حركة فتح في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة بزعامة حركة حماس ورغم تعدد المحطات واللقاءات الرامية لتحقيق المصالحة الداخلية وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية من القاهرة ( دة جولات ) الى وثيقة الأسرى الفلسطينيين واتفاق مكة المكرمة واعلان صنعاء ولقاءات دمشق والدوحة ورام الله وبيروت ومدينة العلمين المصرية والجزائر وموسكو والتي لم يكتب لجميعها النجاح وصولا الى اللقاء الابرز في العاصمة الصينية بكين في نيسان من العام الجاري بدعوة رسمية من القيادة الصينية لإجراء مباحثات جادة ومسؤولة وبحضور 14 فصيل فلسطيني لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية
مع اقتراب الحرب على قطاع غزة من شهرها العاشر والرهان الاسرائيلي على انهاء حكم حماس المدني والفضاء على المقاومة المسلحة وتهجير الفلسطينيين وفرض الوصاية الشاملة عليهم والتخطيط لشطب قضيتهم وحقوقهم وتقويض وجودهم ورغم استمرار وتصاعد حرب الإبادة الشاملة وتزايد اعداد الشهداء وعذابات الشعب الصامد في غزة بقي إعلان الصين لأنهاء الانقسام الفلسطيني كالعادة مجرد حبر على ورق يراوح في مكانه عاجز من جديد عن توحيد الصف والموقف السياسي الفلسطيني كضرورة وطنية ووجودية ملحة لبناء توافق ورؤية شاملة لمواجهة مؤامرات الاحتلال وحرب الإبادة ووقف العدوان على غزة بالتنسيق والتوافق الواسع بين كافة الفصائل وقوى العمل الوطني والانحياز للشعب الفلسطيني وخياراته ودمه المسفوك وعدم الرهان على الوعود الأميركية الكاذبة التي تغذيها بعض الاطراف الإقليمية والدولية والتي تهدف بالنتيجة الى سحق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته
استمرار حالة الانقسام الفلسطيني بهذا الواقع المزري تفاقم أعباء الحرب ومعاناة الفلسطينيين وتزيد المخاطر علي حياتهم خصوصا في هذه المرحلة المفصلية التي يركز فيها النتن ياهو عبر نافذة إدارة غزة لفرض وصاية احتلالية مباشرة أو دولية والغاء التمثيل السياسي الفلسطيني بشكل نهائي وتنصيب منظومة حكم عميلة وهو ما يتلاقى ويتزامن ايضا مع سياسة إنهاء الوجود السياسي الفلسطيني في الضفة والضم الشامل لمعظم مناطقها وهو ما يستدعي الاسراع بتشكل ( قيادة طوارئ وطنية ) تشرع بشكل فوري لتقوم بدورها ضمن معركة المصير والوجود الوطني الفلسطيني لدعم صمود المقاومة واهل غزة ومنع اجتذاب اي فريق فلسطيني لخدمة رؤية المحتل عبر مشروع الوصاية الاسرائيلي المشبوه وفتح سياسات الاحتلال في المنابر والمحافل الدولية وفي اوساط القوى الشعبية الغربية والامريكية المناصرة للجق الفلسطيني
الحاجة الملحة للوحدة الوطنية الفلسطينية لم تكن طارئة بفعل العدوان على غزة و حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال باشع صورها وهو ما يجعل حركتي فتح وحماس تقفان اليوم أمام منعطف هام وخطير أول خياراته استمرار العجز السياسي والإطاحة بكل ما أنتجه لقاء بكين والاستسلام للتطمينات الأميركية الكاذبة الموجهة للنظام السياسي الفلسطيني الرسمي تحديدا ما سيفضي حكما إلى فرض المشروع الاحتلالي بكل ما يعنيه من نتائج والخيار الآخر هو الانحياز للشعب الفلسطيني وتوجهاته وتضحياته ونضاله وإرادته الحرة وانتهاج مسار وحدوي لردع وهزيمة العدوان وانتزاع الحقوق استناداً لمشروعية المطلب الفلسطيني في الحرية واقامة الدولة وتقرير المصير وعودة اللاجئين وفي مقابل كل ذلك لا بد من اتخاذ إجراءات حقيقية تنقل هذا التوافق الوطني لحيز التنفيذ وتحقق المصالحة الداخلية الفلسطينية في اطار ومفهوم ( شعب واحد ونظام سياسي واحد ) وصولاً لأهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في الحرية والعودة والاستقلال
نظرا لضرورات المرحلة الصعبة ومع هذا التأخير( اربعة اشهر مضت على توقيع الاتفاق ) المطلوب من كافة الدول العربية والإسلامية دعم وانجاح الجهود الصينية لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ومساندتها لتحقيق الحلم الفلسطيني وإنجاز المصالحة الداخلية الفلسطينية ومن ثم العمل المشترك وبالخطوات الملموسة لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وتبني مسار سياسي جدي يفضي لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل وفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام أكثر مصداقية وتعددية وفاعلية يلبي طموحات الشعب الفلسطيني بالحرية والعودة والاستقلال وتقرير المصير وقيام دولته المستقلة ذات السيادة الحقيقية على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف
الوحدة الوطنية الفلسطينية بأهميتها ومعناها الشامل تمثل الخيار الوحيد الذي يمكّن الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه بعيداً عن أي رهانات عبثية وأي أوهام سياسية وتفاوضية ثبت على ارض الواقع مرارا فشلها وعقمها كما يجب عدم السماح للعدو الصهيوني بفرض معادلة كي الوعي على الفلسطينيين ووضعهم أمام خيار محدد إما الاستسلام او الإبادة والدمار.
في المحصلة نرى انه قد طال انتظار المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية وتقريب المسافات وتوحيد الخيارات كثيراً و لهذا على الكل الفلسطيني استثمار نتائج اتفاق بكين التي قبلها الجميع وتحمل المسؤولية الوطنية المشتركة بإنجاز ملف المصالحة والوحدة الداخلية الفلسطينية ونبذ الحزبية والفردية وتغليب المصلحة الجماعية العليا للشعب الفلسطيني في سبيل الحفاظ على قضيته الوطنية ووحدة وسلامة شعبه ومؤسساته وأراضيه وتقديراً لدماء الشهداء وتضحيات الشرفاء وإحتراماً لجهود ومساعي الأصدقاء وأحرار العالم الذين يقفون مع الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة فلا بد ثانية من تحمل المسؤولية الوطنية والمجتمعية والنزول عند رغبة الجماهير بالحفاظ على مكتسبات الشعب الفلسطيني بتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وفق برنامج سياسي واضح أساسه الصمود والثبات والمقاومة كضامن اساسي لمواجهة وافشال مخططات الاحتلال في التطهير العرقي والتهجير والاستيطان والتهويد
الفصائل الفلسطينية خلال لقاءاتها في الصين من بين ما اتفقت عليه التطبيق الفوري لبنود الاتفاق بخطوات عملية للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة تدير شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وتخضر لأجراء انتخابات عامة اضافة الى الالتزام التام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقاً لقرارات الأمم المتحدة وضمان حق العودة بموجب قرار 194
امام كل هذا السرد الواقعي السؤال البديهي الذي يطرح نفسه في هذا الشأن لماذا لم يبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس مشاوراته مع كافة الفصائل لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة من شأنها معالجة آثار الانقسام والخروج بالقضية الفلسطينية من مأزقها جراء استمرار العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة في قطاع غزة
رغم خيبات الامل المتكررة يبقى اللافت فلسطينيا انه مع استمرار واستقرار حالة الانقسام وغياب السعي الجاد للمصالحة والوحدة الوطنية وخاصة في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية ضد كافة الفلسطينيين بكل أطيافهم فمازال الشعب الفلسطيني موحداً بتضحياته ومواقفه الوطنية في سبيل عدالة قضيته والدفاع عن حقوقه المشروعة للخلاص من الاحتلال وويلاته ومن غير المنطقي واللا معقول مع هذه الصورة الحية والمشرقة أن تستمر حالة انتظار المصالحة إلى أبعد مدى من الزمن ثم لا يكون هناك نتيجة ملموسة على ارض الواقع
من الضروري ان يفهم جيدا ان الوضع الفلسطيني الراهن لا يحتمل المماطلة والتسويف وعدم الاهتمام والعبثية حيث يوجب أن تكون المصالحة الوطنية ماسة وعاجلة وبمثابة الدواء الذي يخفف الالام والاوجاع ويشفي الجراح ويقوي عزيمة النفوس وليست المرض المستعصي الذي لا شفاء منه كما يتوجب ان تكون هناك نتيجة لنهاية هذا الانقسام ونتائج مثمرة من كل تلك اللقاءات والحوارات والمباحثات والنقاشات والجولات التفاوضية على مر السنوات الطويلة وما حصل فيها من أحداث ومعارك وهلاك ودمار وتضحيات فهنالك شعب فلسطيني صامد ومقاوم لم يساوم ولن يهادن على حساب حريته واستقلاله وحقوقه المشروعة ولن يستجدي الحرية والسلام من الطواغيت المجرمين ولن يقبل أن تذهب تضحيات ابنائه سدى في مهب الريح
في الختام نقول بكل امل ورجاء ينبغي أن يكون هناك حد لحالة التباطؤ والاهمال المربكة المصاحبة لظروف المصالحة وبما أن المنطق والقوانين والسنن لا تبرر غطرسة وعنجهية الاحتلال وكذبه ومراوغته فهي ايضا لا تبرر ولا تجيز استمرار حالة الانقسام والاختلاف إلى ما لا نهاية والبقاء بانتظار المجهول دون اي نتيجة مأمولة وعليه فاذا ما ظل هذا الواقع قائم في عدم معالجة الخلافات والاكتفاء بالدعوات الى انهائه فان النتائج ستصب في خانة التبرير الدولي لجرائم العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين بالقتل والاعتقال والتدمير وبناء الاسوار واقامة الحواجز والتمادي في فصول المحرقة الصهيو- نازية المستمرة في قطاع غزة وعلى الجميع ان يعلموا بان الوقت ينفد وان إسرائيل تعمل على تصفية القضية الفلسطينية وتدميرها ولا خيار أمام الفلسطينيين سوى إنهاء الانقسام وانجاز المصالحة والوحدة الوطنية العاجلة ولله عاقبة الأمور
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية