عن دور الحركة الطلابية الفلسطينية والعربية / فيحاء عبد الهادي

292


 فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الخميس 25/7/2024 م …

انتفضت الجامعات الأميركية، ضد حرب الإبادة الجماعية على غزة، ما يذكِّر بانتفاضة الجامعات الأميركية ضد حرب فيتنام العام 1968.
وامتدت انتفاضة الطلاب ضد الحرب المجنونة، ونصرة لفلسطين إلى خمس وسبعين جامعة أميركية، ثم تبعتها الجامعات الأوروبية، والعديد من الجامعات حول العالم؛ في إيرلندا، وكندا، وفرنسا، وأستراليا، وألمانيا، وسويسرا، والمكسيك، واليابان، والهند.
ومع تصاعد وتوسع الاحتجاجات الطلابية العالمية – حيث وجد الطلاب مساندة من بعض هيئات التدريس في الجامعات، الذين تضامنوا مع مطالبهم العادلة، وشاركوهم في احتجاجاتهم، وحاولوا حمايتهم، من بين أيدي الشرطة الذين جاؤوا إلى الحرم الجامعي لفضّ اعتصامهم واعتقالهم، عن طريق تشكيل حاجز بينهم وبين الشرطة – رنّ ولا يزال يرنّ في أذني سؤال كبير: ما الذي منع تصاعد الاحتجاجات الطلابية العربية، وغير العربية، على حرب الإبادة في غزة، في الوقت الذي يتواصل فيه ذبح أبناء الشعب العربي الفلسطيني، من الوريد إلى الوريد؛ على مرأى ومسمع العالم بأسره؟
صحيح أن هناك دوراً فاعلًا للطلاب العرب ضمن احتجاجات الجامعات الأجنبية عبر العالم؛ ولكن أين تصاعد الدور الطلابي العربي المفترض، داخل الجامعات العربية؟ أين اتحادات الطلاب؟ وما دورها؟ وقبل ذلك: أين الاتحاد العام لطلبة فلسطين؟ الذي يفترض أن يمثل الطلاب الفلسطينيين، وأن يشكل رافعة لنشاطهم/ن في فلسطين وفي الشتات؟
اندلعت وتوسَّعت الحركات الاحتجاجات الطلابية العالمية، التي تكوّنت من الطالبات والطلاب الذين اعتصموا في مباني جامعاتهم، في سياق النضال الطلابي العالمي، ضد الحروب، وضد الاستعمار، وضد الإمبريالية، وضد الاستغلال، والتمييز، والعنصرية، في مجتمعاتهم، ووجّهوا النقد لمواقف حكوماتهم الداعمة لاستمرار حرب الإبادة؛ ما هيّأهم للقيام بدور فاعل في رفض التواطؤ في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الاستعمارية، ومخطط التطهير العرقي، والمطالبة بسحب استثمارات جامعاتهم من الشركات التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، ومقاطعة المؤسسات الإسرائيلية أكاديمياً، ووقف تصدير أسلحة الموت لإسرائيل، ووقف دائم لإطلاق النار.
كما هيّأهم لتحمل التبعات الوحشية لهذه الاحتجاجات، والتي اشتملت على اعتقال وضرب الطلاب والطالبات وحرمانهم من الدراسة، واعتقال وضرب بعض المتضامنين/ات من هيئات التدريس، وإيقافهم/ن عن العمل، والتشهير بهم، ووصلت إلى إطلاق النار، والقنابل الضوئية؛ لوقف هذه الاحتجاجات.
وإذا كان هذا هو واقع النضال الطلابي العالمي، انتصاراً لقضية الشعب الفلسطيني العادلة؛ فماذا عن النضال الطلابي العربي؟ وماذا عن دعم الهيئات التدريسية في الجامعات العربية لهذا النضال؟
وماذا عن النضال الطلابي الفلسطيني، الذي تعرَّض ويتعرَّض لأبشع احتلال استعماري إحلالي استيطاني؟ ولتحديات كبيرة على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية كافة، داخل المجتمع الفلسطيني.
*****
طالما كان هناك دور فاعل ومؤثِّر للطلاب الفلسطينيين؛ نساء ورجالاً، على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية، ومنذ بدايات القرن الماضي.
قبل نكبة العام 1948؛ قاوم الطلاب الاستعمار البريطاني، والمؤامرات الصهيونية؛ عبر تشكيلات تنظيمية عديدة؛ «اللجنة العليا للطلاب»، التي عقدت مؤتمرها التأسيسي، في عكا، العام 1929، و»جمعيات الخطابة»، التي قامت بدور سياسي وثقافي خلال فترة الانتداب البريطاني الاستعماري لأرض فلسطين.
بعد النكبة، لعبت الحركة الطلابية الفلسطينية دوراً فاعلاً في الشتات؛ حيث ساهمت في الدفاع عن القضية الفلسطينية، عربياً وعالمياً.
تأسَّس «الاتحاد العام لطلبة فلسطين»، في القاهرة العام 1959، ليوحِّد الطلاب الفلسطينيين، وليمثِّلهم/ن في الوطن وفي الشتات، وأصبح الاتحاد قاعدة من قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، بعد تأسيس المنظمة العام 1964.
شارك الطلاب الفلسطينيون في الكفاح المسلح الفلسطيني؛ تدريباً وعمليات عسكرية، وساهمت قيادات من الحركة الطلابية في تأسيس بعض فصائل الثورة الفلسطينية.
وفي تلك الفترة التاريخية، برز دور سياسي واجتماعي وثقافي وتنظيمي فاعل للطالبات والمعلّمات الفلسطينيات، اللواتي شاركن بزخم في العمل السياسي، مع انخراط العديد منهن في العمل السياسي بشكل عام، وفي العمل السياسي الحزبي بشكل خاص.
في الشتات، وبعد هزيمة العام 1967، وحتى ما قبل أوسلو، لعبت الحركة الطلابية دوراً سياسياً وعسكرياً متميزاً، وتجلى هذا الدور في السبعينيات، مع تصاعد وتنوع أشكال العمل الفلسطيني، وبالذات العمل العسكري، وبرز دور سياسي قيادي للطالبات في المدارس العربية، ودور سياسي قيادي في الجامعات العربية والأوروبية، عبر الانتماء للفصائل السياسية، والانتماء لاتحاد الطلبة الفلسطينيين، بالإضافة إلى عمل الطلبة المستقلين ضمن صفوف اتحاد الطلاب، بعيداً عن الانتماء للفصائل السياسية.
وداخل الوطن الفلسطيني المحتلّ، اهتمت الفصائل الفلسطينية بالعمل الطلابي كواجهة للعمل السياسي، ولعب الطلاب في الجامعات الفلسطينية دوراً سياسياً واجتماعياً وتنظيمياً واقتصادياً وثقافياً بارزاً، وتجلّى العمل التطوعي، والتكافل المجتمعي، بأبهى صوره.
وكان للطالبات الفلسطينيات وجود فاعل ضمن الحركة الطلابية؛ إذ ساهم العدوان في ازدياد المشاركة السياسية والعسكرية والتنظيمية والاجتماعية للطالبات، في المدارس والجامعات، وكان للنساء دور قيادي في تأسيس اتحاد الطلاب الفلسطينيين.
*****
بعد أوسلو، تعرَّض الاتحاد العام لطلبة فلسطين، إلى التكلّس والجمود، أسوة بالعديد من التنظيمات الشعبية الفلسطينية؛ إذ لم تتجدّد هيئاته منذ العام 1990، غابت التقاليد الديمقراطية، وغابت الإرادة السياسية، رغم القرارات العديدة التي اتخذها كل من المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي الفلسطيني، التي تقضي بأهمية تفعيل دور الاتحادات الشعبية الفلسطينية.
ورغم أن بعض الطالبات والطلاب الفلسطينيين يقوم بدور مهم في الحياة السياسية، عبر أطر تابعة للفصيل السياسي، وعبر أطر مجتمعية، وبعضهم/ن يقوم بدور طلابي مهم بعيداً عن التنظيمات والأطر السياسية والمجتمعية، إلاّ أن هناك أهمية كبرى لاستنهاض دور الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وخاصة في هذه الحقبة التاريخية المفصلية من حياة الشعب الفلسطيني، التي تستدعي استنهاضاً مماثلاً لدور الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، ضمن خطة أكبر، تهدف إلى إعادة بناء مؤسّسات منظمة التحرير الفلسطينية كافة، بصفتها كياناً جامعاً، وممثلاً وحيداً لأبناء الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، كي يساهموا في صياغة المشروع الوطني التحرري، ويناضلوا معاً من أجل العودة والاستقلال وتقرير المصير.

التعليقات مغلقة.