الـمُلْهَمَان ( نص مسرحي ) / د. سعاد درير

271
د. سعاد درير ( المغرب ) – السبت 20/7/2024 م …

إهداء: «إلى طيور القلب الْمُعَذَّبَة بإحساسها، لا تَنامي.. وَجُودي..»

***
الشخصيات: شاعران.
الزمن: زمن الإحساس.
المكان: ساحة الرغبة.
***
[على ظهر قارب مهترئ لا يَعمَل.. صوت الأمواج مِن بعيد يَقطع بين الفينة والأخرى عَزفا شَجِيّاً على آلة الكمان.. على مَقْرُبةٍ شعلةُ نارٍ بجانب خيمة متآكِلة.. إضاءة زرقاء بنفسجية مُوحية بآخِر الليل..]
– الشاعر 1: [بنبرة صوت حالمة] الليل.. الليل وما أدراك! ألا تَرى معي أن الليل يَمدّ لنا بساطه لِنَبني جسرَ تَواصُلٍ يَربطنا بمُدُن القلب النائمة؟!
– الشاعر 2: [متحسِّرا] يُشْقِيني هذا الليل الحالِف أنْ يَجلدنا بِذَيْل رغباته المستعصية.. ويُدْمِي عينيَّ وقلبي أنْ أنثرَ حبّاتِ ضَوْءِ روحي في بساتين الرغبة لألتقط الشوك والصبار..
– الشاعر 1: [يدلك قدمَيْه] قدماي الحافيتان ما عادتا تَجِدان شيئا يُشَجِّع عل أن أَقْطَعَ شارعَ الليل هذا..
– الشاعر 2: [بعد شُرود] فلسفةُ الليل تُمْلِي عليكَ أن تُمَجِّدَ الظلامَ إن أنتَ شِئْتَ شيئا مِن الضوء..
– الشاعر 1: شياطين الظلام تَكفر بالحرية..
– الشاعر 2: والحرية عقيدة مَنْ لَفَحَتْهُ قضبان الصمت في جزيرة القلب التي يَسقط فيها رأسُ مَنْ أغراه البَوْحُ..
– الشاعر 1: أَوليسَ البوحُ لغةَ مَنْ خانته اللغات؟!
– الشاعر 2: البوحُ سِرّ، واللغةُ حِجاب..
– الشاعر 1: [بِنَفاد صبر] ما أَطْوَلَ حَبْلَ الليل هذا؟ [تنهيدة] أَيُعَلِّقُنا أَمْ نُعَلِّقُه؟!
– الشاعر 2: قُلْ إنَّنا نَحلبه ويَحلبنا هُوَ..
– الشاعر 1: حليب الحرية أَطْهَرُ مِن حليب الصمت الذي يُسَمِّمُ رَأْسَ ثَوْرِ الزمن..
– الشاعر 2: [يَستمر مطأطئا رأسَه باحثا عن ضالته بين الأوراق] أُوووه!
– الشاعر 1: [مُتَثَائبا] أَينكَ يا أنتَ؟ [مستلقِيا مُغْمَضَ العينين يَتَحَسَّسُه] أَمَازِلْتَ تَنْبُضُ؟!
– الشاعر 2: [يَفرك عينَيْه] أَنْبُض.. نَعَم، أَنْبُض كدلفين حائر يَمخر عباب بحرٍ لم يَكُنْ يَوما جَنَّتَه ألفُضْلَى، وأَتَّخِذُ مِن تَأَوُّهاتِي دِرْعاً يَقِيني غَدْرَ البحر والمحار والفُلك..
– الشاعر 1: [يَثِبُ واقفا، ثم يُمَدِّدُ ذِراعيه] البحر! قلتَ لي..!
– الشاعر 2: البحر سفينة العاشقين، وأنا اتَّخَذْتُ لقلبي صومعةً في البحر..
– الشاعر 1: أَهَذا البحر الذي أَعْرِفُه أم هو البحر الساكن!
– الشاعر 2: إنها هي.. [بنظرات هائمة] وحدها هي حورية البحر تَمدُّني بما يَكفي مِن الهواء لِأُسْمِعَها إيقاعَ لَهْفَتِي وَأَسْمَعَها..
– الشاعر 1: [بنظرة ماكرة] حورية؟! قُلْتَ لي..!
– الشاعر 2: ح ور ي ة..
– الشاعر 1: نَعم، نَعم، قُلْتَ لي حورية!.. فَمِنْ أيّ جَنَّةٍ مفقودة سَقَطَتْ حوريتُكَ هذه؟!
– الشاعر 2: حورية وَحْدها جَنَّة..
– الشاعر 1: [مستنكرا بلؤم] قُلْتَ لي..!
– الشاعر 2: حورية.. [بنبرة رجاء] في حضورها تَنطفئ النجوم، والشمس، لِتُشْرِقَ هِيَ..
– الشاعر 1: اها؟ [مُكَذِّباً عينَيْه] لا تَقُلْ إنك أَحْبَبْتَها؟!
– الشاعر 2: أَحْبَبْتُها؟! [تنهيدة] كَلِمة كهَذِه لَنْ تُنْصِفَ إحساسَ قلبي بها..
– الشاعر 1: [يَلْتَمِس شيئا مِن الماء في قِنِّينَة بلاستيكية قبل أَنْ يُلْقي بها فارغة] أهكذا يُلْقي الرَّجُل بنفسه في بئرٍ ما لها قرار؟! [يَمْسَح على بطنه بشكل دائري] أم تراهُ يُغَنِّي على لَيْلاه [يَنفض يديه ويَبحث في جيبه]، ويَقول [يتناول حَبَّةً يتيمة مِن بُذور عَبّاد الشمس ]: «سَقَطْتُ سَهْواً» [يَلفظ القشور]؟!
– الشاعر 2: شيء [يَرسم بيدَيْه دائرة] شيء أَكْبَر مِن أن تُفْصِحَ عنه الكلمات.. شيء لم نَتَعَلَّمْه في مدارس الحياة تلك التي نَضبَ فيها ماءُ الحياة.. شيء لم نَلْمَسْهُ بين طَيّات الكُتُب إلاَّ حروفا مُبَعْثَرَة تَبحث لرحلة إبحارها عن مَرافِئ لا تَقْوَى الكلمات على الوقوف عندها.. شيء.. [يُحْدِثُ زفيرا بعُمق] أقول لكَ: [يَضع كَفَّه على قلبه ويتحَسَّسُه بحرارة] سَلْ فؤادي يُحدِّثْكَ عنها..
– الشاعر 1: [مَذهولا] واااااااه! وَقَعْتَ في فِخاخ المعنى!
– الشاعر 2: [بنظرة دافئة] المرأةُ أَعْمَقُ معنى نَبحث عنه.. إنها المعنى الخَفِيّ الذي يَزجّ بنا في بحر الكلمات ويَجعل قلوبَنا الطرِية تَتَقَلَّبُ شَيّاً على نار الخَلق والإبداع..
– الشاعر1: الإبداااااااع!
– الشاعر 2: والإبداع أن نُنْصِتَ بِحُبّ إلى جَوْقَة عصافير القَلب.. أَلَمْ أَقُلْ لكَ إنه الإبداع؟!
– الشاعر 1: اللعنة! هل قُلتُ الإبداع؟!
– الشاعر 2: الإبداااااااع! [هائما] دَعْنِي أُحَدِّثك عن روحها الآسرة لتَكتشف أينَ يَكمن الوجه الآخَر للإبداع.. روحها، حيثما تُراوِدْكَ روحها تُعَلِّمْكَ فنونَ الغواية وتَكشفْ لك سطرا آخَر مِن كِتاب المعاني وبيتا آخَر مِن قصيدة طويلة تُبدعها أنتَ على مهل بيتا بيتا كلما لَقَّنَتْكَ هي سِرّاً مِن أسرارها..
– الشاعر 1: لِتكن قصيدتك مُعَلَّقَةً إذَن..
– الشاعر 2: معها هي [مبتسما ببراءة] تُرَوِّضُ خيالَك على الخَلق وأنامِلَك على الإبداع..
– الشاعر 1: الإبداااااااع! [بنظرة شَغَف] أَبْشِرْ أيُّها الشاعر العَتيد، فنَحْنُ في زمن الإبداع بامتياز، وأنا لكَ قَرين..
– الشاعر 2: قَرين [متسائلا]؟! نَعَم، قَرين..
– الشاعر 1: هل تُصَدِّق [مُقْتَرِبا منه باهتمام]؟!
– الشاعر 2: [بنظرات عاشقة حالمة] أُصَدِّق أنَّها مِرْآةٌ لي، وأنا لَها ظِلّ، تَقْرَأُ هي في ألواحي ما أَكْتُبه بِحِبْر المعنى، وأُعَبِّدُ طريقَ نَصٍّ لم تَكُنْه هي إلا هامشاً مُكَرَّراً..
– الشاعر 1: [فاغِرا فاه] قريني يااا أنتَ، أرى أن المرأة القابعة خَلْفَ أسوارِ ماضيك تَدْفَعُكَ إلى الخَلق والإبداع بِحَماس مَن يَحترق تحتَ أقدام لحظةِ إلهامٍ.. بَيْنَما.. [شاردا بِذِهنه]!
– الشاعر 2: بينما [مُحَفِّزاً إياه على أن يُتابِعَ]؟!
– الشاعر 1: بينما يَدفعني أنا إلى ذلك رغيفٌ عَصِيّ.. رغيفٌ أراني أَرْكُض وراءه مِن رصيف إلى رصيف، ومِن محطة إلى أخرى، دون أن أَعْرِفَ لِسَفَري أَوْ لي نهايةً [يَفرك شَعْرَ رأسه بتَثَاقُل]..
– الشاعر 2: صدِّقْ أنَّ فَتاتي تُنْسِيني كُلَّ رغيف..
– الشاعر 1: وصَدِّقْ أنَّ رغيفي يُلْهِيني عن كُلِّ فَتاة..
– الشاعر 2: [مُعْتَرِفاً كَقِدِّيس] في عَيْنَيْها تَنْدَلِع ثورةُ البحار والمحيطات على كوكب الليل..
– الشاعر 1: [يَنزل بركبتَيْه أرضا] في استدارته ما يُعِيدُني إلى وَضْعِ جَنِينٍ لا يَشتهي أكثر مِن أن يَطول امتدادُ حَبْلِه السّرّي بِمَشِيمَة أُمِّه..
– الشاعر 2: تُهَيِّجُني روحُها، فأَسْتَجِيب لرغبتي في إلباسها قميصا آخَر مِن نَسْجِ الحروف والكلمات..
– الشاعر 1: بَيْنَما [شهيق] تُهَيِّجُني رائحةُ كسرةٍ عَصِيّة عن وِصال الكَفّ، فأستجيبُ لرغبتي الشَّقِيّة في لَفِّها بِوَرقٍ تَفرشه لها حروفي التَّوَّاقة إلى عِناق ما يُخْمِدُ الأشواق..
– الشاعر 2: صَيَّرَنِي مُبْدِعاً هذا البحثُ الْمُضْني عن وِصال فَتاتي..
– الشاعر 1: صَيَّرَني مُبْدِعاً هذا البحثُ الْمُضْني عن وِصال رغيفي..
[نهاية].
***

التعليقات مغلقة.