الشقاق العربي … من وراءه ؟ / احمد الحباسى

245

احمد الحباسى – الإثنين 10/6/2024 م …

 لو بسطنا خريطة الوطن العربي على طاولة فمن المحقق أن المتأمل سينتبه إلى أنه لا يوجد بلد عربي واحد  ليس في نزاع أو خصومة مع غيره من البلدان العربية سواء أكانت جارة  أو بعيدة بعض الشيء . أسباب الخلافات العربية أو بالأصح خلافات الأنظمة العربية مختلفة و لا تحصى و القاسم المشترك بينها هو استحالة الحل بل لنقل بمنتهى الوضوح و الصراحة أنه لا أحد من الحكام العرب يرغب في هذه المصالحة  و يسعى صادقا لحل هذه النزاعات .  كل حاكم عربي من مصلحته وجود نزاع معين مع أية دولة عربية  و هو يرى أن استمراره  و استفحاله كفيل لوحده بضمان  بقاءه في منصبه لأنه يسخر حاشيته الإعلامية  الموتورة للتهجم على الدولة التي يجعل منها شيطانا رجيما  و بذلك يحقق هدفه الخفي و يصعب  من دور أية وساطة مهما كانت حنكتها و ضغطها  و لكم في  قضية الصحراوية بين المغرب و الجزائر مثال معبر  .

 في وطننا العربي يجب على من يعتلى سدة الحكم أن لا تغيب عنه عدة  أشياء مهمة من بينها قدرته على صنع الخلافات و تعميقها و هذا لا يتحقق إلا بالالتجاء إلى بطانة السوء و من نذروا أنفسهم لطاعة السلطان من أهل اللسان الفصيح و القلم الخبيث. يجب على الحاكم العربي سواء وصل إلى سدة الحكم بالوراثة أو الخبث أو الانتخابات المزيفة أو بالانقلاب أن يختلق عدوا بالإمكان أن يجعل منه وسيلة و سببا  لممارسة كل التضييفات على حرية التظاهر و التعبير و المعارضة داخليا  بحيث يضرب هدفين بحجر واحد الأول اختلاق مبرر للتواجد في السلطة و الثاني كبح جماح المعارضة و تدجينها ليصل في نهاية الأمر إلى ما يسمى بسلطة الفرد. ربما يتساءل البعض أين دور الجامعة العربية في حلّ الخلافات و لماذا يعجز أمينها العام دائما عن إيجاد الحلول و يكتفي بالحد الأدنى و الذي لا يتجاوز بعض العبارات التقليدية المكررة و التي تؤكد الحاجة إلى التخلص من هذا الهيكل المتآكل الآيل للسقوط و الذي بات مجرد ذكر اسمه مثيرا للغثيان عند البعض.

 لم يعد سرا أن أغلب الأنظمة العربية تقف المخابرات الأمريكية و الصهيونية وراء استمرارها في الحكم لكونها تقدم لها الحماية المقربة و تسهر على أن لا تتسع رقعة معارضتها و تعمل على استقطاب معارضيها و التعامل معهم بسياسة الترهيب و الترغيب  و فيهم من تحول إلى شبه عميل مزدوج. بطبيعة الحال لا يشك أحد أنه من مصلحة أمريكا و إسرائيل على وجه الخصوص حصول شرخ دائم بين الأنظمة العربية لأنهما يعلمان علم اليقين أن قادة الدول العربية مزاجيون و مغرورون  و يعتبرون دائما أن المس منهم هو مسّ من هيبتهم و سلطانهم و لذلك يرفضون كل مساعي الصلح و يختارون عن سابق إصرار  الانسجام مع طلبات و نوايا  الإدارات الأمريكية المتعاقبة و ربيبتها الصهيونية . لعل المتأمل الجيد يدرك أن مشروع تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات طائفية ليس وليد اليوم و أن الإدارة الأمريكية قد سخرت من المال و العديد و الجهد بما يكفى لدراسة كيفية تقسيم المنطقة و اللعب على ما فيها من تناقضات و أحقاد و تخوفات و هنا نتذكر تقرير ما يسمى بالمحافظين الجدد  في عهد الرئيس المتخلى المجرم جورج بوش الابن و الذي كان منطلق غزو العراق و بداية تنفيذ مشروع تقسيم المنطقة العربية .

 لقد شكلت عملية طوفان الأقصى و التي زعزعت مقولة جيش إسرائيل الذي لا يقهر  لحظة فارقة ظهر فيها الانقسام العربي في أقبح مظاهره و بصرف النظر عن سلبية موقف الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس الذي تميزت فترة رئاسته بتكريس الانقسام و  بث الفوضى الذهنية في  عقل الشعب الفلسطيني فان مواقف أغلب القيادات العربية قد شكل صدمة  كبرى خاصة و أن أحد الأنظمة الخليجية لم يتورع رغم هول ما يحدث في غزة من قتل و تشويه و استهداف لكل مرافق الحياة إلى تنظيم حفلات شطح و ردح و غناء  أثارت سخط الجماهير العربية التي  تعلم مدى انحناء هذا النظام لإسرائيل و هرولته للتطبيع  معها تحت نصيحة الإدارة الأمريكية و ضغطها.  اليوم سقطت  بالنسبة لكثير من الحكام العربية مقولة أن القضية الفلسطينية هي القضية الأم لان كل الأحرار العرب قد تفطنوا و اقتنعوا أن هذه القضية لن تلقى المساعدة  إلا من محور المقاومة الذي شكل لوحده حالة صداع كبرى للجيش الصهيوني و للقوات الأمريكية المساعدة له لضرب غزة و كسر إرادتها . إن التاريخ لن ينسى خيانة بعض الأنظمة العربية للدم الفلسطيني كما لم ينسى سعيهم المتواصل لبث الفوضى داخل الوطن العربي.