موسى عباس يكتب: سفينة الموت والدّمار كانت متوجهّة إلى موزمبيق لكنّها أفرغت حمولتها في مرفأ بيروت … 4 آب 2020 تاريخ لن ينسى من ذاكرة اللبنانيين .

493
موسى عبّاس ( لبنان ) – الجمعة 7/8/2020 م …
 بعد ظهر  الرابع من آب 2020 تاريخ مشؤوم حُفِر في ذاكرة اللبنانيين وفي تأريخهم لذا لن ينسوه وسيتوارثون  حكايته من جيلٍ إلى جيل.
في هذا اليوم تحوّلت مدينة بيروت إلى مدينة منكوبة  بفعل إنفجارين هائلين قد لا يكون لهما مثيل في تاريخ البشرية منذ تدمير مدينتي “نكازاكي وهيروشيما” اليابانيتين  في السادس والتاسع من شهر آب 1945 بفعل القنابل الذرية الأمريكيّة .
الرابع من آب 2020  ربّما يكون يوماً مفصلياً في حياة اللبنانيين لما سيكون لما حدث من تداعيات سياسيّة وربّما أمنية على لبنان واللبنانيين ، خاصةً وأنّهم كانوا ينتظرون  ما سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان والتي كانت ستصدر حكمها في قضيّة اغتيال الرئيس الحريري بعد خمسة عشر عاماً على إغتياله.
الإنفجاران في مرفأ بيروت واللذان أمثال دماراً هائلاً في المرفأ ومحيطه وحتى في مناطق تبعد أكثر من كيلومترين ، الإنفجار الأوّل في مستودع للمفرقعات وآخر  في العنبر رقم 12 الذي كان يحتوي على 2750 طنّاً من  مادة “نيترات الأمونيوم”  كانت وصلت إلى مرفأ بيروت على متن سفينة تدعى “RHOSUS” في العام2013 , علماً أنّه كان من المفترض أن تصل تلك الحمولة إلى موزمبيق .
فما هي أسباب وصولها إلى مرفأ بيروت ولماذا أفرِغت حمولتها  في العنبر 12 ودون أتخاذ أيّة تدابير وقائيّة ؟.
قبطان السفينة  يروي الحكاية من ألفها إلى يائها وبالتفصيل ل صحيفة : “سيبير  ريالي” الروسيّة.
قال القبطان الروسي بوريس:
إن السفينة “RHOSUS“يملكها رجل أعمال روسي يُدعى  إيغور غريتشوشكين ويحمل الجنسية القبرصيّة أيضاً .
كانت محملة بـ 2750 طنا من هذه المواد، وأنها كانت تبحر تحت علم قبرصي وكانت مملوكة لرجل اعمال روسي يدعى، يحمل الجنسية القبرصية كذلك ويقيم في قبرص.
#وقال_القبطان: تخلى طاقم البحارة عن سفينة روسوس في مطلع سبتمبر من عام 2013 وهي راسية في إسطنبول، فأضطر مالكها الى البحث عن طاقم بديل يقود السفينة في رحلتها الى موزمبيق. وبالفعل جمع صاحب السفينة مجموعة من البحارة لهذه الرحلة، ثم استدعاني لأكون القبطان، وانا وافقت.
أضاف القبطان بوريس: لقد سبق لي أن عملت قبطانا لهذه السفينة قبل ذلك بسنوات حين كانت مملوكة لرجل اعمال قبرصي، وقد قررت ترك البحر بعد ذلك والعودة الى مسقط رأسي في اوديسا في روسيا واستجبت لدعوة مالك السفينة الجديد  للعودة الى قيادة السفينة التي اعرفها جيدا.
أضاف بوريس: لقد كانت السفينة محملة بشحنة نترات الامونيوم من ميناء باطومي في جمهورية جورجيا وابحرت من هناك قاصدة موزمبيق، ولكن عندما وصلت الى إسطنبول رست في الميناء وغادرها كل بحارتها بلا رجعة. علمنا في وقت لاحق ان خلافا نشب بينهم وبين مالك السفينة (ايغور) حول رواتبهم التي لم يحصلوا عليها منذ أربعة أشهر فتركوا سفينته في منتصف الطريق، عندها اضطر هو الى البحث عن طاقم بديل، فوقع اختياره عليّ لأكون قبطانها.
وقال القبطان بوريس: بالفعل ابحرنا بالسفينة من إسطنبول باتجاه موزمبيق عبر البحر المتوسط باتجاه قناة السويس، ولكن مالك السفينة أبلغنا بينما كنا في عرض البحر بأن علينا ان نعرج على ميناء بيروت لنحمل شحنة إضافية هي عبارة عن منشآت حديدية لسكة الحديد في موزمبيق كذلك.
وحين وصلنا مرفأ بيروت، حاولنا تحميل هذه المنشآت الجاهزة الضخمة على متن السفينة القديمة المتهالكة، فبدأت تغوص تحت وطأة الثقل الهائل للحمولة الإضافية، مما شكل خطرا عليها من الغرق، وبعد عدة محاولات فشلنا في تثبيت هذه المنشآت بحيث لا تشكل خطرا على السفينة، قررنا مغادرة مرفأ بيروت بدون أخذ شحنة المنشآت الحديدية. ولكن إدارة المرفأ منعتنا من المغادرة بدعوى ان سفينة “روسوس” التي نحن على متنها مديونة للسلطات اللبنانية مبالغ من المال لقاء رسوّها في مرة سابقة في الميناء وكذلك مقابل رسوها هذه المرة.
وقال_القبطان: عندها أصبحنا رهائن لا يسمح لنا اللبنانيون بمغادرة السفينة في انتظار سداد المستحقات، ولما طال انتظارهم دون ان يحضر مالك السفينة لتسوية الديّن، نقلوا سفينتنا الى أحد الأرصفة الجانبية من المرفأ وأفرجوا عن كافة البحارة إلا أربعة منهم كنت أنا أحدهم الى جانب مهندس السفينة ومساعد القبطان والميكانيكي الرئيسي.
وتابع_القبطان بوريس: بقينا محتجزين 11 شهرا على متن السفينة الراسية في مرفأ بيروت دون ان يهتم أحد لأمرنا. لقد كنت اكتب الرسائل لفلاديمير بوتين كل شهر، ولم يصلني منه أي رد. ومالك السفينة الذي حصل على مليون دولار مقابل نقل شحنة نترات الامونيوم من باطومي الى موزمبيق، أعلن انه لا يملك المال ليحرر السفينة من بيروت ولا حتى ليدفع اتعاب محام يترافع عنا لتخلي السلطات اللبنانية سبيلنا. فبقينا نحن الرهائن الأربعة على متن السفينة المتهالكة الى ان نفذ الطعام وما كان معنا من نقود، فجعنا بالفعل لدرجة كان يعطف علينا عمال الميناء اللبنانيون ببعض الطعام.
وتابع القبطان: بعد مرور نحو 10 أشهر تمكنا من بيع وقود السفينة الراسية، واستطعنا بهذا المال الاستعانة بمحام لبناني يترافع عنا في المحكمة، وهذا ما حصل، فأفرج القاضي عنا في النهاية لأننا رهائن لا ذنب لنا بديون صاحب السفينة. ولكن السلطات اللبنانية رفضت اخلاء سبيل السفينة المحملة بنترات الامونيوم، عل صاحبها يأتي ويسدد فاتورته.
كانت السفينة قديمة وكانت مثقوبة في أحد أطرافها، وكنا على علم بهذا الثقب، وكانت أولى مهامنا عندما نستيقظ كل صباح ان نضخ الى البحر كمية المياه التي تسربت الى داخل السفينة. ولكن بعد ان تم اخلاء سبيلنا وغادرنا السفينة كل الى بلده، بقيت السفينة تمتلئ شيئا فشيئا بالماء، ولم تكن إدارة المرفأ معنية بإصلاحها او بتشغيل من يضخ المياه منها، فقررت إدارة المرفأ افراغ السفينة من شحنتها وتركها وشأنها.
وبالفعل_تم افراغ السفينة من حمولتها (2750 طن نترات الامونيوم) الى عنبر 12 في المرفأ وبعد وقت ليس بطويل غاصت السفينة الفارغة الى قعر البحر.
وأضاف القبطان بوريس يقول: اليوم وبعد ان سمعت بالانفجار الذي وقع في المرفأ شعرت بالاسى على كل الضحايا، ولكن مسؤولية هذه الكارثة تقع على المسؤولين في المرفأ الذين يعلمون جيدا ان مثل هذه المواد لا يمكن تخزينها بهذه الصورة الخطيرة. السلطات اللبنانية تعلم جيدا من هو مالك السفينة ومن اين اتى بحمولتها الخطيرة والى أين كانت وجهتها، وليس في هذا ما يسيء الى لبنان، أنما الخطر نجم حين احتجزت السلطات اللبنانية كل هذه الكمية من نترات الامونيوم في مكان غير معد لذلك، أملا منهم أن يأتي من يسدد الديون، فدفع الشعب اللبناني الثمن.
وأضاف_بوريس: لقد حاولت على مدار ست سنوات تقصي المعلومات لمعرفة من الذي كان في انتظار وصول شحنة نترات الأمونيوم في موزمبيق ولم انجح ، كما لم اتمكن من معرفة من الذي دفع الملايين ثمنا لهذه الشحنة وتخلّى عن  البحث عن بضاعته واستعادتها من مرفأ بيروت؟