تحولات إقليمية ودولية تحطم الهيبة الأمريكية / د. ميادة ابراهيم رزوق

1٬078

د. ميادة ابراهيم رزوق – الجمعة 22 / أيار ( مايو ) / 2020 م …

فيما نحن في أيام وساعات الاحتفال بيوم القدس العالمي، وعيد المقاومة وتحرير الجنوب، تعود حرب الناقلات والمضائق للظهور مرة أخرى، ولكن هذه المرة بصورة مختلفة، تكسر فيها إيران أسنان الهيمنة والبلطجة الأمريكية في بحر الكاريبي، وذلك من خلال إرسال إيران خمس ناقلات تحمل 1.5 مليون برميل من الوقود إلى فنزويلا التي تعاني نقصا في المواد النفطية بعد أزمة كورونا ومن جرّاء العقوبات الأمريكية، فتعبر هذه الناقلات مضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، لتصل أخيراً إلى منطقة الكاريبي، ويحتفل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بقرب وصول الناقلات ويوجه عبارات الشكر والامتنان لجمهورية إيران الإسلامية، ويعلق وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو أن قوة من سفن وطائرات تابعة للقوات المسلحة الوطنية البوليفارية تتأهب لاستقبال ومرافقة  ناقلات إيرانية تحمل وقودا إلى فنزويلا بمجرد دخولها إلى المنطقة الاقتصادية الحصرية للبلاد، في خطوة تكاملية بين الجيش الفنزويلي وحرس الثورة الإيراني الذي تكفل بحماية هذه الناقلات.
ورغم رصد أربع سفن حربية أمريكية مع طائرة حربية في منطقة الكاريبي في مطلع شهر نيسان، وتوقع مراقبين من أنها تعتزم اعتراض ناقلات النفط المتجهة إلى فنزويلا، بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية بتقرير مراقبتها للجريمة المنظمة، والتهديد لأكثر من مرة بمنع السفن الايرانية من الوصول إلى كراكاس، وتصريح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لرويترز بأن الولايات المتحدة تدرس الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد ارسال شحنة وقود إلى فنزويلا التي تعاني من أزمة، لتنّصل البنتاغون عن معرفته  بأي خطط أو جهود عسكرية لوقف أو تفتيش أو تدمير ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى فنزويلا، نسمع بانخفاض التهديد نحو تشديد العقوبات على ايران بعد التهديدات الإيرانية عالية النبرة على لسان وزير الدفاع الايراني العميد أمير حاتمي بالرد الحاسم والقوي اذا تعرضت الناقلات الإيرانية للهجوم او القرصنة بأن المصالح الاقتصادية والعسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط ستكون دائرة الهدف الإيرانية.
ويُربط هذا الإنجاز بإفشال محاولة الغزو بتدبير أمريكي لأراضي وسيادة فنزويلا مطلع شهر آيار الجاري، لانقلاب الحكم فيها واعتقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والتي انتهت بتوقيف عشرات الأشخاص من بينهم جنديين أمريكيين سابقين، وبعدها وجهت المحكمة الفنزويلية إلى الأمريكيين تهمة “الإرهاب والتآمر وتهريب أسلحة حربية والانتماء إلى شبكة إجرامية”
وتزامن ذلك بقرار البرلمان الإيراني يوم الاثنين 18/5/2020 بتأسيس سفارة أو قنصلية افتراضية لإيران في القدس باعتبارها عاصمة فلسطين الأبدية تحدياً صارخاً للمشروع الصهيوامريكي باتخاذ القدس عاصمة غير مقسمة لكيان العدو الصهيوني.
وقبل ذلك، وبعد اتهام ترامب الصين بكل المشاكل التي عانى منها الأمريكيون ومنها انتشار فيروس كورونا والعجز التجاري، وعدم تردده في شن هجمات ضد الصين على عدة جبهات  من التجارة إلى الدفاع وصولاً إلى السباق  في مجال تطوير الجيل الخامس من الانترنت، والتحشيد الأمريكي العسكري في البحر الهادئ وبحر الصين الجنوبي والتعزيزات العسكرية لتايوان، وتهنئة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو  لإعادة انتخاب الرئيسة التايوانية تساي اينغ-وين، التي ترفض مبدأ الصين القائل إن جزيرة تايوان تنتمي إلى “الصين الواحدة”، في محاولة من واشنطن  استخدام مسألة تايوان، لتقسيم جمهورية الصين الشعبية، واضعاف الحزب الشيوعي الصيني، واحتواء صعود الصين، مما اضطر التنين الصيني ليخرج من القمقم ويغير نهجه إلى صراع مباشر مع واشنطن، بدءاً بطرد قوى البحرية الصينية للمدمرة الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، والاعلان عن التفوق العسكري، إلى وصول النمو الصيني لقيادة الاقتصاد العالمي والمجال التكنولوجي  لتهز عرش الامبراطورية الأمريكية، فقد باتت الصين اليوم عملاقاً اقتصادياً وطورت قدرات عسكرية هائلة بحرية وجوية، قادرة على تحدي الهيمنة العسكرية الأمريكية في آسيا، وتعمل الصين على تطوير قوة قتالية مؤهلة للنصر في الحروب الحديثة في تحد واضح لأكثر من سبعين عاما من الهيمنة العسكرية على آسيا.
إذاً هي ليّ الأذرع الأمريكية، ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في المحيط الهادئ والهندي وفي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا اللاتينية، ليتحول محور المقاومة من موقعه الإقليمي إلى نواة حركة تحرر عالمية ضد الهيمنة الأميركية، بضم فنزويلا إلى محوره الصاعد لتشكيل تحالفات دولية عابرة للقارات تقارع الهيمنة الأمريكية، وليس في جعبة الولايات المتحدة في ظل تضعضعها إلا مزيداً من التهديد والوعيد برفع وتيرة العقوبات، اللغة الوحيدة التي باتت تتقنها، فيخترع محور المقاومة مع حلفائه الدوليين روسيا والصين ومنظمة شنغهاي وفنزويلا  التدابير والاجراءات التي تهدد مكانة الدولار الذي يعتبر الأمن القومي الأمريكي، من خلال استبداله بالذهب وخيارات أخرى وعملات محلية.
وفي ختام هذا المقال نسأل:
-أهو صدفة أم موعد مخطط له مسبقا تحطم الهيبة الأمريكية، ليحمل معاني أخرى تتصل بمعنى يوم القدس العالمي…
– أي رسائل  تم توجيهها للساحتين الفلسطينية وكيان العدو الصهيوني؟
-هل ستنطلق شرارة انتفاضات جديدة على كامل مساحة فلسطين المحتلة؟
-هل ستصل رسائل الردع…؟
هي تحولات اقليمية ودولية عنوانها تحطم الهيبة الأمريكية، نحو منظومة عالمية  جديدة بتحالفات إقليمية وعلاقات متشابكة معقدة بين الدول.