لماذا أخفقت الحركات الماركسية العربية؟ / يوسف عبدالله محمود

706
الماركسية الإشتراكية - النشوء والتطور - مجلة المقتطف المصرية
يوسف عبدالله محمود ( الأردن ) – الأربعاء 20 / أيار ( مايو ) / 2020 م …

سؤال مطروح اليوم بإلحاح. لماذا أخفقت الحركات الماركسية العربية؟

هل لأنها لم تستوعب مفردات هذه النظرية كما وضعها مبدعها؟

هل لأنها تعاملت مع “الماركسية” على نحو انتقائي وضحل؟

لماذا لم تحسن التعامل مع جمهورها؟ هل حقاً أن ثمة ثغرات في هذه النظرية العلمية؟

في تصوّري أن الماركسيين العرب – وأنا لا أعمّم – لم يمتلكوا الوعي الكافي الذي يجعلهم يميزون ما بين المعقول وغير المعقول، بين الواقعي وغير الواقعي. بين ما هو حتمي وما هو غير حتمي.

وقد انعكس كل ذلك على حركة “التحرّر القومي” كما يقول الأكاديمي والمفكر البارز د. هشام غصيب في كتابه “العقل أوّلاً .. العقل لا نهائياً” : “إن الماركسيين العرب لما يفلحوا تماماً في بناء نظرية التحرّر القومي”.

المرجع السابق ص111.

“خطابهم يشكو من انتقائية وضحالة وضبابية فكرية، كان لها أثر سلبي على ممارساتهم وإخفاقاتهم في النفاذ إلى قلب الشارع العربي”. (الصفحة نفسها).

نعم – ولا أعمّم أيضاً – لم يقرأوا الصيرورة التاريخية بعقلية أكثر انفتاحاً واستنارة، مما أوقعهم في أخطاء وخطايا كان بإمكانهم تجنّبها لو احتكموا إلى وعي أكثر واقعية وتقدّماً.

هم لم يمارسوا “النقد الموضوعي” كما يجب أن يُمارس. حتى الحركات القومية العربية لم تُحسن التعامل مع النقد الموضوعي، فظل مفهوم “القومية العربية” محكوماً بأيديولوجية متطرفة نوعاً ما تُسبغ على هذا المفهوم مثاليةً تبلغ حدّ التقديس.

هذا التقديس دفع إلى التعصّب في كثير من الأحيان. هذا التقديس كان مُربكاً.

أخفق القوميون والماركسيون حين تجاهلوا صيرورة التاريخ ورؤيته على نحو واقعي.

لم يحسنوا قراءة المنهج الجدلي الذي يلخص دراسة التطوّر التاريخي بمنهجية علمية. لم يفطنوا- إلا القليل منهم – أن المادية الجدلية حين تشكل نظرية عامة في الصيرورة التاريخية لا يمكن أن تكون عقيدة جامدة. حتى ماركس نفسه كان يرى أن كل حقيقة ذات طابع نسبي في نطاق مرحلة معينة. هذا الطابع النسبي تم تجاهله. وعليه، فلا يوجد هناك- في رأيه قداسة للمادة الجدلية.

الماركسيون العرب عموماً وبخاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي السابق راح الكثير منهم يشككون في جوهر “الماركسية” بعد أن كانوا يُجلّونها. وفي تصوّري أن اللعبة السياسية جذبتهم أكثر مما تجذبهم “الثقافة العلمية”. تجاهلوا هذه الثقافة.

من هنا جاء تنكّر الكثيرين منهم للماركسية إلى حد جعل بعض المثقفين الماركسيين الكبار يعلنون وبصراحة أن هذا العصر قد تجاوز هذه النظرية، بمعنى أن الماركسية لم تعد صالحة للتطبيق، لتحلّ محلها الليبرالية التي سرعان ما انحازوا إليها أكثر من هذا، بل أن منهم وفجأة وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي راحوا يلومون أنفسهم لأنهم اعتنقوا الفكر الماركسي في السابق يبقى أن أقول أن ماركس نفسه اعترف أن الماركسية لم تقل كل شيء، بمعنى أنها نظرية مرنة.