عن نظريات الإزاحة الجيلية والحماية الجيلية وتراكم الخِبرة / زهراء جمال

403

فجوة الأجيال (مقال) - كيف تكتب؟ - التعليم الثانوي والمدارس - 2020

زهراء جمال ( العراق ) – الجمعة 8 / أيار ( مايو ) / 2020 م …


في الفترة الأخيرة يتم الترويج لما يعرف بـ (الإزاحة الجيليّة)
وهي برأيي أسخف نظرية تم الترويج لها مؤخراً وأجزم أن من يروج لها واحد من إثنين ،
فإمّا أن يكون جاهلاً متحمّساً واثقاً من نفسه أو ممن أسميهم أنا اليسار السياسي ضمن ظاهرة “صراع الأجيال” البغيضة التي رافقت كل التقلبات السياسية التي مرّ بها العراق منذ تأسيسه،
المشكلة أننا أمّة لا تقرأ تأريخها ولهذا نكرر مآسينا دائماً على شكل مهازل!
فكل جماعة تأتي تظن نفسها هي فقط، ومن بعدها الطوفان ، لذا تعمد أولاً لهدم كل ما يمت للجيل السياسي الذي سبقها بأي صلة !
أي “كلّما دخلت أمّة لعنت أختها”
في الدول المتحضرة والمحترمة الأمر ليس كذلك،
بل إن تلك الدول أصبحت متحضرة ومحترمة حين تخلّصت من هذا الصراع الهدّام وأصبح بناء الدولة والمؤسسات عندهم كما سلسلة تتصل حلقاتها ببعض وتكمل الواحدة منها البقيّة،
الدول المحترمة والمتحضرة تعمل وفقاً لنظرية”الحماية الجيليّة” ونظرية “تراكم الخبرة” لأنهم قد تخلصوا من عُقدة “صراع الأجيال”.
فمثلاً يتحول المدراء والساسة المخضرمون إلى منظرّين ومستشارين وقادة في مراكز الأبحاث والدراسات ويمثلون مصدر إلهام للأجيال الأخرى!
نعم أنا أؤمن بالقادة الشباب لكن لهؤلاء القادة مواقعهم ولا يمكن لهم البتة أن يحرقوا المراحل،
ولتحقيق هذا التوازن نجد أن البرلمانات في الدول المتقدّمة تضم جيلين من الساسة بما فيهما مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين لكنهما-أي الجيلين-لا ينخرطان ضمن عُقدة صراع الأجيال،
بل إن الأجيال الناشئة تعتبر نفسها وليدة الأجيال السابقة ومُكمّلة لها وهكذا ..
الذكاء والقراءة والشهادات والجوائز ،
كل ذلك لا يكفي ليكون بمثابة خبرة متراكمة..
يجب أن نستأصل ثقافة “صراع الأجيال” من الجذور ونستبدلها بثقافة”الحماية الجيليّة” وثقافة”تراكم الخبرة”
نعم يجب أن تتحول الحماية الجيليّة إلى ثقافة مجتمعيّة تُبنى على أساسها مؤسسات الدولة ،
وفي هذا الصدد لا ننسى أن نذكر مرضاً آخراً عند الجيل القديم وهو مرض التشبث بالسلطة والغطرسة،
فبعضهم-بسبب ثقافتنا السياسية غير الصحيّة-يرى أنه مما لا يمكن وقوعه عقلاً أو تصوراً أو حقيقة أن يستطيع أحد غيره قيادة المركب الذي كان هو يقوده!
ومن هنا أنا مع حق الترشيح لدورتين فقط ولكل نائب وهذا هو الحال في كل دول العالم الديمقراطيّة المتحضرة،
بعد ذلك يجب أن يفسح السياسي المجال لغيره ويتحول هو إلى مفكر ومنظّر ومؤلف ومؤرخ يُلهم الأجيال اللاحقة من تجربته..
هذه القواعد البسيطة ساهمت ببناء مجتمعات سياسية بيئتها خالية من عقدتي الصراع والتشبث اللتين ما زلنا نعاني منهما حتى الساعة..