من الحب فى زمن الكوليرا إلى الإختباء فى زمن الكورونا / جيهان خليفة

355

جيهان خليفة ( مصر ) – الأحد 5/4/2020 م …

لم أكن أتخيل منذ فترة وأنا أقرأ رائعة ماركيز الحب فى زمن الكوليرا ومشهد النهاية الذى يجمع الحبيبين العجوزين المحاصرين بإنتشار الكوليرا فى كل مكان حتى فى قارب النجاه أننى قريبا جدا سوف تحاصرنى هذه الحالة سوف أحتضن أطفالى ليلا وأنا خائفة مرعوبة عليهم بل فى لحظة من اللحظات أبعدهم عنى بعد أن ينتابنى شعور أننى ممكن أكون مصابة ولم تظهر عليا الأعراض بعد ولم لا فأنا أنزل لشراء إحتياجاتى بعد أن نفذ ما كنت أدخرة .
فى بداية عملى بالمصرى اليوم نشرنا خبر عن تهدم مقابر الكوليرا بمركز الشهداء بمحافظة المنوفية وقيام الأطغال باللعب بجماجم الأجداد أيامها تناولنا الخبر بقلم بارد يدون حدث دفن فى دفاتر الماضى السحيق حتى وإن ظهر طيف منه فهو طيف شبحى باهت لم يؤثر فينا لأننا لم نعايشة .. الآن فقط شعرت بمرارة أبى عندما كنا نسألة ونحن أطفال صعار لماذا توفى أشقائى الذكور وكيف كان يزعجه السؤال الذى لم يجيب عنه الا بعد أن وهن العظم منه ففى إحدى جلساتى معه وانا كنت دائما أحب أن أسمع قصصه عن الماضى هى المرة الوحيدة التى قال لى ماتةا ((بالشوطة )) يومها إستغربت وقلت له يعنى أيه أجاب الكوليرا ماتوا يا جيهان يابنتى الثلاثة فى إسبوع واحد فى أربيعنيات القرن الماضى يومها لم يزلزنى كلامه كما أشعر به الآن قد يكون لأننى لم أكن جربت الأمومة بعد لم يكن دخل بقلبى وجعها الدائم .. أمس صدمنى خبر منع تصدير أكياس الموتى للخارج لاأعرف لماذا أستدعى هذه الأيام كل ما قرأت عن الأوبئة فى الرويات التى قرأتها كم كان قاسيا جدا فى رواية ((أرض الله والشيطان ))عندما يروى الرائع محمد هلال كيف كانوا يرمون جثث ذويهم دون دفن خوفا من الطاعون وكيف كانوا يتركون المقابر مفتوحة فتدخل الذئاب لنهش الجثث ثم تظل تعوى طوال الليل من الألم وفى الصباح يجدونها ميته بسبب العدوى . انه الماضى يتجسد الآن خرج لنا من المقابر ليفزعنا أو ربما ليجعلنا نعيد حسابتنا فلا نتباهى بما وصلنا اليه من علم فهو الآن مجرد نقطة فى محيط شاسع من المعرقة المجهولة التى لم نطرق عتباتها بعد كورونا أثبت عجزنا ومحدودية علمنا .