الثناٸیة السیاسیة ۔والجیوبولیتکا اللیبیة ۔وصراع الاخوة الاعداء / محمد سعد عبد اللطیف

641

محمد سعد عبد اللطیف ( مصر ) – الخميس 9/1/2020 م …

 في شرق المتوسط تتوتر العلاقات الدولیة ۔وقد وصلت المعارك  آمس حول طرابلس  وسقوط مدینة ” سرت ” في  ليبيا، بين قوات المشير خليفة حفتر والمليشيات المؤيدة لحكومة الوفاق الوطني، الی وضع آخر عن  المرحلة السابقة  اللا  “هزيمة واللا انتصار ” لأي من الطرفين،   وربما كان هذا هو السبب لانتقالهما إلى الساحة الدولية في ودخول أطراف إقلیمیة  علی خط المواجهة  لمحاولة لتحقيق انتصارات ، صراع قوي إقلیمیة علي مصالح النفط والغاز ۔ البحث عن إیجاد موطٸ قدم فی لیبیا ۔ صراع بدأ مابعد أحداث فبرایر 2014م  بعد رحیل القذافي ۔
لم تكن المطالب الجهوية والفئوية حاضرة بصورة واضحة في شعارات ثورة فبراير الأولى التي أطاحت بحكم القذافي رغم أن مطالب التنمية والازدهار لم تغب في وعودها، إلاّ أن الدعوات والمطالبات بإعادة النظر في منظومة الحكم والإدارة بدأت تتسع بعد تولي السلطات الانتقالية واتخذت صوراً شتى، بدءاً من المطالبة بتوسيع نظام الحكم المحلي، مروراً بالمطالب الفيدرالية وصولاً إلى هوامش المطالبة بالانفصال، لا سيما في ظل معالجات السلطات الانتقالية ما بعد فبراير والتي قامت في أغلبها على منهج علاج الأزمة من أعلى لأسفل، دون اللجوء لفتح حوارات مجتمعية عن أساليب الحكم والإدارة، وهو ما تحوّل فيما بعد إلى أصوات وخطابات احتجاجية جرى توظيفها ويجري تطويعها وإعادة إنتاجها بصورة مستمرة في تأجيج حالة الحرب الدائرة منذ عام 2014. حتي وقت کتابة هذه السطور ۔۔ فی ظل هذا الوضع کانت الجغرافیا السیاسیة حاضرة وبقوة تلعب دوراً بین الجغرافیا الشاسعة والسیاسة ۔ والتاریخ الأجتماعي ۔والدیمغرافي شرق وغرب لیبیا ۔( برقة وطرابلس ) داٸما کانت الجغرافیا اللیبیة مهددة عبر تاریخها القدیم والحدیث ۔ ففی عام 1835م وإثناء تواجد المستعمر الفرنسي ۔فی تونس والجزاٸر  تم إستدعاء العثمانیون لحمایتهم من المستعمر الاجنبی “ب إعتبار الحکم العثماني لیس أجنبیاً۔ هل التاریخ یعید نفسه بعد إبرام إتفاق بین حکومة السراج فی طرابلس والآتراك ۔ هل هي صدفة تاریخیة ۔ وموافقة البرلمان الترکي علی إرسال قوات الی طرابلس ۔۔
وهي مواجهة تضرب على وتر حساس في الغرب، مما يجعل من مسارعة الأوربيين والأمريكيين لإنقاذ حكومة الوفاق الوطني، التي اعترفوا بها، عملية مؤجلة، كما لو كانت بعض العواصم الأوروبية تنتظر حسما ما على ساحة المعركة قبل اتخاذ مواقفها. مثل الموقف الفرنسي فی إذدواجیة فی التعامل مع حکومه السراج ۔ وحفتر ۔
أضف إلى ذلك أن الملف الليبي يثير تناقضات أوروبية بين روما التي ترى أن لها الدور الأساسي باعتبارها قوى الاستعمار الكولينيالية السابقة والتي تتمتع بقوات على الأرض، وبين باريس، تلعب علی ملف مكافحة الإرهاب، مما يفسر أن فرنسا تنظر بعين غير راضية للدور الذي تلعبه أطراف إسلامية في إطار حكومة السراج
إن تقسيم بعض الدول العربية اليوم إلى دويلات بدآ مع نهایة القرن المنصرم فی جنوب السودان ۔ وفی بدایة الألفیة الجدیدة فی شمال العراق والأن مع الصراع الداٸر فی سوریا  يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ، أن هناك مخططات لتقسيم دول أخرى ، وتفکیکها وتدخل لیبیا فی هذا السیاق  من خطر التقسیم ۔والصراع بین ثنائية” الشرق والغرب”، أو كما عرف تاريخياً باسم( برقة ) في مقابل طرابلس، وهما الإقليمان اللذان بقيا على مر العصور يحملان خصوصية مختلفة تاريخيا۔ ومن السهل  تفكيكيهم ۔  حتى یسهل عملية أطماع بعض الدول وفتح الشهیة وشرکات مثل الصراع الخفي بین شرکتي ” إیني الإیطالیة۔  وشرکة توتال الفرنسیة ۔۔علی الغاز والنفط اللیبي ۔     وليبيا هي أيضًا مهددة بخطر التقسيم  الذي سيؤدي في النهاية إلى إنعاش أطماع بعض الدول، وفتح الشهية لدول أخرى في استقطاع أجزاء من أراضي ليبيا الغنية بالموارد والثروات. إن مانراه من انتهاك لسيادة ليبيا وترابها الوطني من قؑبل بعض الدول المجاورة والإقلیمیة ۔ لیثبت أن تصفیة معمر القذافي ۔وسرقة ونهب الذهب والفضة من قؒبل دول بعینها ۔ لدلیل قاطع علی تفکیك لیبیا وتواجد قوات علی أراضیها ۔من تواجد روسي وفرنسي وإیطالی وترکي ۔ فی غیاب تنسیق عربي وخذلان من کل الدول العربیة التی تقف موقف المساند للواء حفتر فقط ۔ رغم هناك  موقف دولي ومغربي من حکومة السراج ب” اعتبارها الحکومه الشرعیة المعترف بها وکانت زیارة ۔الرٸیس الترکي طیب اردوغان لتونس علی تفاهمات لوجود قوات ترکیه ۔فی لیبیا وکذلك الجزاٸر لهم موقف آخر بخلاف دول عربیة تساند اللواء حفتر ۔۔ إن التنافس في ليبيا هو جزء من صراع المحاور في المنطقة، وبانورما من منظور خارجي ۔۔
إن المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة في الشرق الاوسط  والعالم اليوم ندرك يقينًا أهمية العامل المكاني في حياة الدولة وتحديد قوتها، خاصة في ظل تراجع الدور الذي كان يتطلع به العامل   “الأيديولوجي ” في تغذية الصراعات العسكرية خصوصًا، ومسرح العلاقات الدولية على وجه العموم . فبؤر التوتر عديدة في عالم اليوم وهي تعطي أهمية كبيرة لعلم ( الجيوبوليتيك ) لا سيما بعد أن عادت مشاكل الحدود السياسية لواجهة الاهتمامات الدّوليّة، ورغبة العديد من الدول في ضم أراضي لها من دول أخرى قريبة منها حتى وإن كانت هذه الدعوات لا تتم بطريقةٍ مباشرة. والصراع الآهم فی الملف اللیبي ۔ بین ترکیا ومصر
صراع بدآ بعد 30 من یونیة 2013  م  بعد اتفاقية أبرمتها الأخيرة لترسيم الحدود البحریة ۔ بین قبرص والیونان وإسراٸیل ۔ ترکیا تبحث عن حلیف لها فی شرق المتوسط ۔ الأرض ساعدتها رغم بعد المسافة ألفي میل ۔ عن طرابلس لتلعب ترکیا علی  ملف الدیمغرافیا والعرق الترکی فی طرابلس ومصراتة ۔ لتستحضر من ذاکرة التاریخ  أهم ملامح التاريخ ” الجيوبوليتيكي ” لليبيا، وأن هناك  حالات  کثیرة على الأقل وقعت فيها برقة لقوة أجنبية، في حين خضعت طرابلس لقوة أجنبیة  أخرى.
فالجغرافيا الليبية كانت دائماً مهددة في وحدتها على مر تاريخها، بدءاً من الإغريق والفنيقيين مروراً بالبيزنطيين ووصولاً إلى الإنجليز والفرنسيين والطليان قبل إعلان الاستقلال، ويعود ذلك إلى التكوين الطبيعي لكيان ليبيا والانفصال الجغرافي الشاسع بين حدود طرابلس وبرقة، وهو ما صعّب من وجود تبادل تجاري وزراعي وحدّ من إقامة علاقات اجتماعية بين سكان الأقاليم،
في التاريخ المعاصر كانت مقاومة الاحتلال الإيطالي بمثابة العقد الذي انتظمت فيه ملامح الهوية الوطنية الحديثة، على أساس وحدة العدو أولاً ولأن المحتل تعامل مع ليبيا باعتبارها كياناً سياسياً موحداً ثانياً، كما أنّ طبيعة المعارك ضد الإيطاليين تطلبت في أحيان كثيرة حركة مختلفة في مناطق البلاد، ما أسس لتعاون وتنسيق بين الأقاليم، تُوّج في نهاية المطاف بلحظة الاستقلال.
وعندما نالت ليبيا استقلالها الذي جاء نتيجة جهود مضنية وتنازلات من زعماء أقاليم ليبيا الثلاثة، مستفيدين من التغيرات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت أسئلة محورية بشأن النظام الاتحادي، ولمن ستؤول عاصمة البلاد .
وكيف سيدار الحكم؟، إلاّ أن رغبة قادة البلاد في حينها بإنهاء الاحتلال وإفشال مشروع الانتداب دفعت باتجاه تأجيل تفكيك الخلافات بشأن تلك القضايا، ليعود صدى تلك الخلافات بعد ذلك بين برقة وطرابلس حين ألغى ” الملك إدريس ” العمل الحزبي ومارس التضييق على العمل السياسي، لتجد القبيلة منذ ذلك الحين فرصتها في أخذ زمام العمل السياسي وملء الفراغ، وخطاب القبيلة بطبيعته خطابٌ تمجيدي غير متجاوز لمسألة العرق والأصل، بخلاف العمل السياسي الوطني والحزبي الذي يتحرك في فضاءات أوسع، وكان ذلك الإجراء سبباً في تضييق دوائر ومساحات المشترك الوطني ورسم هوية موحّدة معمّقة.
ومع تحول البلاد نحو الإدارة المركزية وإنهاء الحكم الفيدرالي عام 1963 وبالتزامن مع اكتشاف النفط وبدايات تصديره؛ نشأت موجات من عدم الرضا لا سيما في برقة التي احتضنت انقلاب القذافي وكانت النواة الأساسية لتحركاته عام 1969، رغم أنها كانت قبل ذلك الحاضنة الرئيسة للحركة السنوسية، وساهم في ذلك أيضاً مع صيحات المد القومي وصعوده في المنطقة التي عجّلت هي الأخرى بولادة تغيير سياسي جديد في البلاد.
لم يستطع القذافي صناعة نظام إداري يستوعب طبيعة الجغرافيا والديموغرافيا الليبية، بل سعى منذ البداية لتعزيز سطوة المركزية في الإدارة والحكم وألغى نظام المحافظات في مقابل توسيع دور «الإدارة الشعبية» والتي تُعدّ تعبيراً عن مفهوم سلطة الشعب، ليتراجع دور الإدارة البيروقراطية، وبالتزامن مع ذلك مارس حالة من تفكيك العلاقات الاجتماعية بين سكان الأقاليم، في إطار ترسيخ نظامه الجماهيري القائم على سردية أيديولوجية ثورية بعيدة نسبياً عن مطالب التوزيع العادل للثروة والمشاركة الواسعة في حكم البلاد، ما أدى لزيادة مساحات التهميش السياسي والاجتماعي في عهد القذافي.
كل ما سبق لا يجب أن يؤسس لحتمية قد تفرضها حقائق التاريخ وظروف الجغرافيا، لأن هناك شعوباً وبلاداً صنعت ما هو أكثر استثناء من ذلك،   إن المساحة الجغرافية للیبیا  وحالات التعارض بين القوى الناشئة فيها. فيترجم تأثير الموقع بالقيود التي يفرضها أو بالفرص التي يتيحها أمام المزاحمات السلطوية التی تتصارع الآن ۔أن جغرافية لیبیا  ما هي إلَّا إنعكاس لصورة الدولة، وهو ما أدَّى إلى ظهور مبدأ “لا بد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً، وأن يفكر السَّاسة جيوبوليتيكياً”.

محمد سعد عبد اللطیف
کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة
رٸیس القسم السیاسي ۔نیوز العربیة