أسعد العزوني يكتب عن قصيدة ( عروبيّون ) للشاعر الفلسطيني واصل طه

422

أسعد العزوني ( الأردن ) الأربعاء 14/8/2019 م …

الشاعر واصل طه

يبدو ان النبش في التاريخ مفيد في العديد من الحالات للوصول إلى قناعات محددة،وإثبات حقائق كادت ان تكون في عداد الشطب لأسباب كثيرة منها الجهل والغرور ،وأكتب اليوم في قضية مهمةجدا تتعلق بجهل أمة وظلم شعب.

أتحدث اليوم عن من فشلت العصابات الصهيونية وما سمي آنذاك جيش الإنقاذ العربي الذي جاء إلى فلسطين عام 1948 ليس لتحريرها من ربق العصابات الصهيونية بل لتسليمها لهذه العصابات،تنفيذا للرغبة البريطانية التي كانت تهيمن على المنطقة منذ أن قمنا بالتعاون معها لطرد العثمانيين من بلادنا .

أتحدث عن 100 ألف من الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم وبقوا في بيوتهم ،ولم تنطل عليهم حيلة جيوش الإنقاذ العربية، أن عليهم المغادرة لأسبوع او أسبوعين كي لا يعيقوا عملية التحرير ،كما أن مجازر العصابات الصهيونية لم تؤثر فيهم ،ولذلك بقوا متشبثين في أرضهم ،وكانوا هم السبب الرئيس في إفشال تحقيق المشروع الصهيوني بالسيطرة على فلسطين أرضا بدون شعب.

عانى هؤلاء الفلسطينيون الذين وصل عددهم إلى 250 ألفا هذه الأيام كثيرا بسبب معاملة الغزاة لهم ،ومع ذلك صمدوا وثبتوا وكانوا كالشوك في خواصر الغزاة ،ولكن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند.

كان أشد ما يؤلم هؤلاء الفلسطينيين هو نظرة العرب لهم وإعتبارهم خونة إرتضوا العيش مع الغزاة ،ولعل إبليس يعجز عن مثل التوصيف لخلق مثل هذا التبرير ،إذ تبرأت منهم جامعة إيدن التي يطلق عليها جزافا جامعة الدول العربية .

خطأ كبير وجسيم لا يقل خطورة في تداعياته عن الأخطاء الجسيمة والخطيرة ،التي إرتكبها النظام الرسمي العربي بحق الشعب الفلسطيني ،ومنها الترويج السعودي لصفقة القرن وتبني النظام السعودي للرواية الصهيونية التي تقول ان الشعب الفلسطيني باع أرضه لليهود ،وفي نفس السياق يناقضون أنفسهم بأنفسهم ويقولون ان فلسطين أصلا لليهود.

بالأمس أرسل لي الصديق العزيز الشاعر واصل طه من خضم الصمود الفلسطيني في الداخل قصيدة بعنوان عروبيون يتغنى فيها بالعديد من الدول العربية ،تاليا نصها :

قالوا عُروبِيِّونَ / واصل طه

—————

قالوا عُروبيِّونَ قُلْتُ هُويَّةٌ

تَجَري بشِرْياني دَماً يَتقَلَّبُ

وَطَنٌ تُناجيهِ…عَواصفُ جُرْحِهِ

أمْواجُهُ سَكَنَتْ وَبانَ الْمَرْكِبُ

نُسِجَتْ خُيوطُ الشَّرِ نَسْجَ شِراعِهِ

فَتَحايلَ المُسْتَعْمِرُونَ لِيَنْهَبُوا.

يأجوجُ قَدْ حَضَرَتْ قُبيلَ زَمانِها

أفعى وسُمٌّ قاتلٌ أو عَقْرَبُ

هَمَجٌ بإسمِ الدٌينِ قَدْ صَبغوا الْلحى

عَبْدٌ ومَفْتونٌ وَعِلْجٌ سَلْهبُ

حَرَقوا المزارعَ والبيوتَ وَأَهْلَها

والْعَيْنُ تَدْمَعُ والقلوبُ تُعَذَّبُ

اللهُ أكْبرُ قَدْ طَغَوْا…وَتَجبَّروا

واسْتُخْدِموا للْقَتلِ حتّى اسْتَذْنَبوا

الْغَرْبُ يَسْعى كَيْ يُحَوِّلَ شَرْقنا

مَرْعى لأبقارٍ وإبلٍ تَحْلِبُ

لم يَبْقَ للتَّأْويلِ أيُّ مَقولَةٍ

تُتْلى..ولا مُتَفلْسفٍ يُسْتَكْتَبُ

حُرِّيَةُ الْأوْطانِ دُرَّةُ تاجِنا

وكرامةٌ أبَدِيَّةٌ لا تَذْهَبُ

قِيَمٌ وَأخلاقّ رَكانُ عَقيدَةٍ

رَسختْ كطوْدٍ صامدٍ لا يَهْرُبُ

فيهاالسَّماحَةُ والْقَناعةُ والنَّدى

والمُنْكرات رجالُها لَمْ يَقْرَبوا

قالوا عراقيّون قلتُ مَهابةٌ

لحضارَةٍ مَوْروثَةٍ لا تُسْلَبُ

بَغْدادُ سَيْفٌ لنْ يَعُودَ لغمْدهِ

ما دامَ فيها غاصبٌ يَسْتَكْلِبُ

بغدادُ عِشْقي والفراتُ مَحَبَّتي

وهَواءُ دِجْلَةَ نابضٌ يَتَشَبَّبُ

أنْغامُ دجْلَةَ أرْقَصَتْ أعْذاقَهُ

فَتَساقَطَتَ رُطَباً علينا تُرْطِبُ

هذا العراقُ بِنَخْلهِ وَشُموخِهِ

قَلَمٌ وَقرْطاسٌ وسيفٌ أرْقَبُ

قالوا يمانيونَ قلتُ: مَنِيَّةٌ

بالْكَوْكَبانِ سِهامُها أَوْ مأرِبُ

مُسْتَعْمِرونَ بزيِّ داعش قَدْ غَزَوْا

طَمَعاً بِخَيْراتِ الْبلادِ فَأسْهبوا

لَمْ يَعْلَموا أنَّ الشَّمالَ مُحَصَّنٌ

وَجَنُوبُهُ عَصْفٌ عَصيبٌ أزْيَبُ

يَمَنٌ سَعيدٌ أقْفْلوا أبْوابَهُ

إنْ حَاصَرُوا هَمَدانَ ثارَتْ تَغْلِبُ

قحْطانُ مَعْ عدْنان جَدَّا أُمَّةٍ

إِنْ نُودِيتْ صَنْعاءُ رَدَّتْ يَثْربُ

قالوا الجزائرَ قُلتُ :شاشُ عَمامتي

بَلَدُ الشَّهادةِ ريحُها لا تُغْلَبُ

ليلٌ وَثُوّارٌ وَبَرْقٌ صاعقٌ

دَمٌ وَشلالٌ ونَهْرٌ عُنْبَبُ

خَضَعَتْ فَرَنْسا تَحْتَ وَطْأةِ نارِهمْ

فَغَدَتْ سَماءٌ في الْجَزائرِ تَلْهَبُ

حبُّ الْجَزائرِ خالصٌ في مُهْجَتي

نَبْضٌ وإحساسٌ وعَيْنٌ تَرْقُبُ

بصماتُها محفورةٌ في خاطري

عَلَمٌ يُرَفْرفُ في الفضاءِ وَيَكْتُبُ

نِعْمَ الجزائر  أرْضَعَتْ أبْناءَها

حُبَّ الحمى وَفداءَهُ يَتَوَجَّبُ

قالوا :دِمَشْقَ فقلتُ نَصْرٌ قادمٌ

هِيَ للْبُطولَةِ والعُروبَةِ مَشْرَبُ

رَسَمَتْ دِمَشْقُ هُوِيَّتي وَمَلامِحي

صُوَراً بِنورٍ أشهبٍ يَتَكَوْكبُ

في حَضْرَةِ التاريخِ جُلَّقُ كَوْكَبُ

مِنْهُ إنْبِلاجُ الْفَجْرِ شَقْشَقَ يَشْهَبُ

نِعْمَ الشَّآمُ مَكارمٌ ، كَفُّ النَّدى

ما هانَ ظمْآنٌ بها أوْ مُسْغِبُ

قالوا :الْكِنانَةُ قُلْتُ عَبْدُ النّاصِرِ

منّهُ السَّحابةُ تَشْرَئبُ وَتَشْرَبُ

عَبروا الْقناةَ بهِمَّةٍ وَشَكيمةٍ

جُنْدٌ هُمُ تا اللَّهِ لَنْ يَتَغَيْبُوا

مِصَرَ الْحَضارةِ مَنْبَعٌ مُتَجَدِّدٌ

كالنيلِ تَرْوي.. ماؤها لا يَنْضبُ

هَرَمٌ وكَرْنَك والمعابدُ كُلُّها

والأزهرُ الْمِعْطاءُ نوراً..يَسْكبُ

قالوا وفي النِّيلَيْنِ شعبٌ ثائرٌ

قَدْعانَقَ الْخُرَطومَ موْجاً يصْخَبُ

حُرِّيَةٌ وَعدالةٌ وكرامَةٌ

هِيَ غايةُ الأجيالِ وَهْيَ الْمَطْلَبُ

قَسَماتُ وادي النِّيلِ يَبْدو حُزْنُها

وأخُو التعاسةِ حاكمٌ مُتَقَلِّبُ

قمعٌ وَجَوْرٌ قَدْ أضاعَ مَواطِناً

وقيادةٌ مذهولةٌ تَسْتعْجبُ!!

باعوا بلادَاً في الْجنوبِ بناسها

مِنْ أجلِ عَرْشٍ واهِنٍ يَتَذَبْذَبُ

دَخَلَ الْعَدُو نفوسَهُمْ في لَحْظَةٍ

فَغَفا على ظهْرِ السَّفينةِ يَعْرُبُ

فتَفجَّرتْ آهاتُ مَنْ عَشِقَوا الحمى

سيلاً يفيضُ منَ الزُّبى يَتَقلَّبُ

أُرْدُنُّ أنتَ العهدُ تَجْري ناعماً

تَرْوي الحقولَ مساحَةً هي أرْحَبُ

أُرْدُنُّ نَجْمٌ مُرْشِدٌ وَسَط الدُّجى

وَمُهَنَّدُ مسْلولُ عِرْقٌ يُنسَبُ

نُقشَتْ على درب الشَّآمِ شواهدٌ

قَدْ ظَلّلتها غَيمةٌ أوْ هَيْدبُ

زَيدٌ وَجعْفَرُ أسْعفا عَلَماً هَوى

قَدْ خلَّدا بلداً وأرضاً تُخْصِبُ

فطَأِ الثرى مُتَرَفِّقاً مُتَرحِماً

شهداءُ قَدْ حَضَنوا التُّرابَ فأترَبوا

قالوا: وفي لُبْنانَ شَعْبٌ صامِدٌ

قُلْتُ :الشّجاعةُ أشْرَقَتْ لا تَغْرُبُ

عُقَدُ الْمَخاوِفِ قَدْ خَبَتْ وتبَدَّدتْ

وَتَحَوَّلَتْ لِبُطُولَةٍ لا مَهْرَبُ

شيخٌ إذا أوْمى بِطَرْفِ عُيونِهِ

يَهْتَزُّ (عزرا) راجفاً يَتَحسَّبُ

قالوا : فِلِسْطينيُّ قُلْتُ أُجِلُّهُ

بحجارةٍ وَإرادةٍ يَتَغلَّبُ

حَجَرٌ وَمِقلاعٌ بكفِّ مُعَلِّمٍ

ضرباتُهُ شُهُبٌ إذا ما تُضرَبُ

الْقُدسُ تَمْهَلُ حَرَّ دَمْعِ عُيُونِها

مِنْ غاصِبٍ مُتَوَحِّشٍ يَتَثَعْلَبُ

وَبِلادُنا عَطْشى لِقَطْرِ سَحابَةٍ

ظَمِئَتْ وَفيها الْغَيثُ سَيلاً يَهْلِبُ(١)

جَلَسَتْ لِتَغْسِلَ شَعْرَها في شاطِئٍ

فَغَدَتْ مِياهُ الْبَحْر مُزْناً تَعْذُبُ

قالوا : مَراكشَ قُلْتُ خَيْرُ مُرابطٌٍ

وَعُيُونُهُ صَوْبَ الثُّغُورِ تُراقِبُ

عَبْدُ الْكَريمِ يُطِلُّ فَوْقَ خُيُولهِ

يأبى الْخُنوعَ وخَيْلُهُ لا تَتْعَبُ

جَبَلٌ يَمُوجُ بسُنْدُسٍ وَعُيُونُه

تَبْكي على مَنْ وَدَّعُوهُ وَتَنْحَبُ

في تونس الخضراءِ حطَّتْ خَيْلُنا

سَيْفٌ وفُرْسانٌ وخَيْلٌ تَخْبُبُوا

وفَوارسٌ حُمْرُ الْمهورِ سوابّحٌ

هزموا الرَّدى والنَّصرُ بَيْرَقُ يَصْقُبُ(٢)

في ظِلِّ تونسَ قَدْ زَهَتْ زَيْتونَةٌ

فيها الأَنامُ تَفَقَّهوا وَتأَدَّبوا

هَرَبَ الفِرَنْجَةُ مِنْ صَليلِ سُيُوفِهمْ

والْقَيْرَوانُ تَزَيَّنتْ وَالسَّيْسَبُ (٣)

يا تونسَ ألْخضراءِ ألفُ تحيَّةٍ

فيكِ الشَّآمُ وفي شَآمي مَغْرِبُ

(١) مطر يهطل بتتابع

(٢) يقترب ويدنو

(٣) المفازة ، الصحراء